[ 459 ] فحرية بأن تكون بهذه الفصاحة والبلاغة، وأن تكون لها هذه الشجاعة الادبية والجسارة العلوية، ويزيد الطاغية يوم ذاك هو السلطان الاعظم والخليفة الظاهري على عامة بلاد الاسلام تؤدى له الجزية الامم المختلفة والامم المتبانية في مجلسه، الذي أظهر فيه أبهة الملك وملاه بهيبة السلطان، وقد جردت على رأسه السيوف، واصطفت حوله الجلاوزة، وهو وأتباعه على كراسي الذهب والفضة وتحت أرجلهم الفرش من الديباج والحرير، وهي صلوات الله عليها في ذلة الاسر، دامية القلب باكية الطرف، حرى الفؤاد من تلك الذكريات المؤلمة والكوارث القاتلة، قد أحاط بها أعداؤها من كل جهة، ودار عليها حسادها من كل صوب، ومع ذلك كله ترمز للحق بالحق، وللفضيلة بالفضيلة، فتقول ليزيد غير مكترثة بهيبة ملكه ولا معتنية بأبهة سلطانه: أمن العدل يا ابن الطلقاء، وتقول له أيضا: ولئن جرت على الدواهي مخاطبتك إني لاستصغر قدرك وأستعظم تقريعك واستكثر توبيخك، فهذا الموقف الرهيب الذي وقفت به هذه السيدة الطاهرة مثل الحق تمثيلا، وأضاء إلى الحقيقة لطلابها سبيلا، أفحمت يزيد ومن حواه مجلسه المشؤوم بذلك الاسلوب العالي من البلاغة، وأبهتت العارفين منهم بما أخذت به مجامع قلوبهم من الفصاحة، فخرست الالسن وكمت الافواه وصمت الآذان، وكهربت تلك النفس النورانية تلك النفوس الخبيثة الرذيلة من يزيد وأتباعه بكهرباء الحق والفضيلة، حتى بلغ به الحال أنه صبر على تكفيره وتكفير أتباعه، ولم يتمكن من أن ينبس ببنت شفة ليقطع كلامها أو يمنعها من الاستمرار في خطابتها، وهذا هو التصرف الذي يتصرف به أرباب الولاية متى شاؤوا وأرادوا بمعونة الباري تعالى لهم، وإعطائهم القدرة على ذلك. وما أبدع ما قاله الشاعر الجليل السيد مهدي بن السيد داود الحلي عم الشاعر الشهير السيد حيدر رحمهما الله في وصف فصاحتها وبلاغتها من قصيدة: ________________________________________