[ 170 ] وأخذت برضاعي لك الامان من دهري. فقال لها: وما ذلك يا أم الرشيد ؟ قال سهل: فآيسنى من رأفته بتركه كنيتها آخرا ما كان أطمعني منه في بره بها أو لا. قالت له: ظئرك يحيى وأبوك بعد أبيك: ولا أرشحه بأكثر مما عرفه به أمير المؤمنين من نصيحته له، وإشفاقه، عليه، وتعرضه للحتف في شأن موسى أخيه. فقال: يا أم الرشيد، قدر سبق، وقضاء حم، وغضب من الله نزل. قالت: يا أمير المؤمنين: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب: فقال الرشيد: صدقت، فهذا مما لا يمحوه الله. فقالت: الغيب محجوب عن النبيين، فكيف عنك يا أمير المؤمنين ؟ فأطرق الرشيد يسيرا ثم قال: وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع فقالت بغير روية: ما أنا ليحي بتميمة يا أمير المؤمنين. وقد قيل: وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد * ذخرا يكون كصالح الاعمال هذا بعد قول الله " والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين " فأطرق هارون قليلا ثم قال: إذا انصرفت نفسي عن الشئ لم تكد * إليه بوجه آخر الدهر تقبل فقالت: يا أمير المؤمنين وهو يقول: ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني * يمينك فانظر أي كف تبدل قال الرشيد: رضيت. فقالت: يا أمير المؤمنين، فهبه لله تعالى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ترك شيئا لله لم يوجده الله، فأكب الرشيد مليا، ثم رفع رأسه وهو يقول: لله الامر من قبل ومن بعد. قالت: يا أمير المؤمنين: " ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ". واذكر يا أمير المؤمنين أليتك (1): ما استشفعت إلا شفعتني. قال: واذكري يا أم الرشيد أليتك: أن لا شفعت لمقترف ذنبا. قال سهل ابن هارون: فلما رأته صرح بمنعها، ولاذ من مطلبها، أخرجت له حقا من زمردة خضراء، فوضعته بين يديه، فقال الرشيد: ما هذا ؟ ففتحت عنه قفلا من ذهب، فأخرجت منه خفضه (2) وذوائبه وثناياه، قد غمست جميع ذلك في المسك. فقالت: يا أمير المؤمنين: أستشفع ________________________________________ (1) الالية: الحلف: أي اذكر يمينك التى حلفتها لئن تشفعت عندك لتقبلن شفاعتي. (2) خفضة: قطعة اللحم التى قطعت منه عند ختانه، وذوائبه: شعره الذى قص عند أول حلافته، وثناياه: أسنان طفولته التى سقطت منه، ونبت له غيرها. (*) ________________________________________