[ 99 ] دوام أحدهما من فساد العالم وبطلان نظامه، إذ لو دام المطر عفنت البقول والنباتات واسترخت أبدان الإنسان وساير الحيوانات وحسر الهواء فأحدث ضروبا من الأمراض والوباء وأفسد الطرق والمسالك والبلاد وأخرب البناء إلى غير ذلك من المفاسد التي لا يحيط بها العد والإحصاء، ولو دام الصحو جفت الأرض واحترق النبات وغيض ماء العيون والأودية وغلب اليبس وحدث القحط والجدب وضروب من الأمراض، وفيه هلاك الأرض ومن عليها وما فيها جميعا، ففي هذا التعاقب على النحو المشاهد الذي يوجب اعتدال الهواء ونظام الأشياء وصلاحها واستقامتها ودفع كل منهما عادية الآخر دلالة على اللطيف الخبير، وأما الثاني فقال بعض الطبيعيين أن الشمس وغيرهما إذا أثرت في الأرض يخرج منها أبخرة متصاعدة إلى الطبقة الزمهريرية التي لا يصل إليها أثر شعاع الشمس المنعكس من وجه الأرض وهي منشأ السحب والصواعق والرعد والبرق، فإذا وصلت تلك الأبخرة إلى هذه الطبقة تتكاثف بالبرد وتصير سحابا، فإما أن لا يكون البرد قويا فيتقاطر وهو المطر أو يكون قويا بأن أثر في الأجزاء المائية قبل اجتماعها يحصل الثلج وإن أثر بعده يحصل البرد، وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): " أن تحت العرش بحرا فإذا أراد الله أن ينبت به ما يشاء أوحى إليه فمطر ما شاء من سماء إلى سماء حتى يصير إلى السماء الدنيا فيلقيه إلى السحاب والسحاب بمنزلة الغربال فيمطر على النحو الذي أمر به، وليس من قطرة تقطر إلا ومعها ملك حتى يضعها موضعها " (1) والحديث طويل نقلنا بعض مضمونه. شرح أصول الكافي: 1 ويؤيده ما روي عنه (عليه السلام) قال: قال " رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله عز وجل جعل السحاب غرابيل للمطر حتى يذيب البرد حتى يصير ماء كيلا يضر شيئا يصيبه " (2) وهذا وإن كان مما يستبعده الغافلون لكن وجب قبوله وإذعانه إذا أخبر به المخبر الصادق كما في سائر الأسرار الالهية (3) وروي عنه (عليه السلام) أيضا أنه سئل عن السحاب أين يكون قال: " يكون على شجر على كثيب (4) على شاطئ البحر يأوي إليه فإذا أراد الله عز وجل أن يرسله أرسل ريحا وأتارته ووكل به ملائكة يضربونه بالمخاريق وهو البرق ويرتفع ثم قرأ هذه الآية * (هو الذي يرسل الرياح فتثير سحابا ________________________________________ (1 و 2) كلاهما في حديث واحد رواه الكليني في كتاب الروضة تحت رقم 326. 3 - يعني يجب التصديق بظاهره وتفويض معناه إلى الله تعالى، لأن ظاهر الآية الكريمة ان المطر يخرج من خلال السحاب كما نقله الشارح عن بعض الطبيعيين ففي سورة النور " ألم تر ان الله يزجي سحابا - إلى ان قال - فترى الودق يخرج من خلاله " فالمراد بالسماء في الاي الاخر أيضا السحاب، نعم ورد في القرآن ان كل شئ نزل من السماء اي العالم الروحاني إلى هذا العالم كما قال " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد " وقال: " انزلنا لكم من الانعام ثمانية أزواج " (ش). 4 - الكثيب الرمل المستطيل، التل. (*) ________________________________________