[ 98 ] أنه لولا هذا المركوب لعطلت التجارات التي تجلب من البلاد البعيدة مثل ما يجلب من الصين إلى العراق ومن العراق إلى الصين، وبقيت الأمتعة في بلدانها في أيدي صاحبها لأن أجر حملها على ظهور الدواب كان يجاوز أثمانها فلا يتعرض أحد لحملها على أن بعض المسافات كالبحر مما لا يمكن قطعه بالدواب، فتفقد أشياء كثيرة تعظم الحاجة إليها فينقطع المعاش ويتضيق طرقه على الناس، فلأجل هذه الحكمة جعل الفلك بحيث يحمل ما لا يحصى من الحمولة والأفراس والأفيال وهي تجري بعنايته في موج كالجبال وجعل الريح سايقها ومحركها ولولا الريح لركدت كما قال سبحانه * (ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) * ومن جملتها أنه لو جعل البحر لطيفا محضا مثل الهواء لما استقر الفلك على ظهره بل غاص فيه، ولوجعله كثيفا محضا مثل الأرض لما أمكن من قطعه وشقه فجعل متوسطا بينهما لتكميل مصالحهم، قال القاضي: القصد من هذه الآية إلى الاستدلال بالبحر وأحواله وتخصيص الفلك لأنه سبب الخوض فيه والاطلاع على عجائبه ولذلك قدمه على ذكر المطر والسحاب لأن منشأهما البحر في غالب الأمر، وقيل: الحكمة في عدم رسوب السفينة إلى الماء وإن كان بعض أجزائه أو كلها أثقل منه كالحديد هي أن الأجسام المتداخلة بعضها في بعض بمنزلة جسم واحد والمعتبر في الرسوب في الماء وعدمه ثقل المجموع بالقياس إليه وعدمه، ولذلك لو كثرت الحمولة وقل الهواء الداخل بحيث يكون المجموع أثقل من الماء لرسب فيه وغرق أهلها، والضابطة فيه أنه إذا فرض مع الماء جسم آخر فإن كان نسبة حجمه إلى حجم الماء كنسبة ثقله إلى ثقل الماء فلا يرسب فيه أصلا بل يكون سطحه العالي مساويا لسطح الماء في العلو والسفل وإن كانت نسبة حجمه إلى حجم الماء أقل منها فيرسب فيه البتة وبقدر تفاوت ثقله يكون سرعة حركته وبطؤها في النزول إلى القعر، وإن كانت أكثر فلا يرسب على الطريق الأولى لكن يخرج منه شئ من الماء ثم بقدر أكثرية هذه النسبة يكون خروج أبعاضه حتى يستوفي جميع النسبة التي يتصور بينهما وإن لم يبق بينهما نسبة أصلا وذلك بأن لا يكون لذلك الشئ ثقل وميل إلى المركز أصلا وعند ذلك يكون مماسا له بنقطة إن كان كرة أو بخط أو سطح إن كان غيرها من الاشكال كل ذلك إذا كان غير طالب للعلو وإلا فيرفع منفصلا على الماء ذلك تقدير العزيز العليم. (وما أنزل الله من السماء من ماء) " من " الأولى للابتداء والثانية للبيان والسماء يحتمل الفلك والسحاب المعلق وهذه من آيات وجوده سبحانه وقدرته وحكمته وحسن تدبيره من جهة كيفية نزو المطر ومبدء نزوله وفوائده. أما الأول فانه ينزل متقاطرا متعاقبا ولو نزل متصلا دفعة واحدة مثل البحر لأضر كل ما تصيبه وينزل في وقت دون وقت آخر على تعاقب بينه وبن الصحو لما في ________________________________________