[ 95 ] ذاته تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، والطريق الثالث يشترك فيه الكل فلذا خصه بالذكر وهو طريق يسلكه كل من له عقل سليم وطبع مستقيم ولكن سلوكهم ووصولهم وإيمانهم وإيقانهم على حسب تفاوت مراتب عقولهم أما ترى أنك تستدل بملكوت السماوات وحركات الكواكب وبزوغها وافولها على وجود صانعها ومدبرها كما استدل بها خليل الرحمن وإن كان استدلاله بها للتعليم وقد حصل لك علم ضعيف شبيه بالجهل حتى لو وقعت في أدنى بلية تلوذ بكل من زعمت أنه ينجيك منها، وحصل له علم ثابت ويقين جازم حتى قال له الروح الأمين حين رمي بالمنجنيق وكان في الهواء مايلا إلى النار: ألك حاجة ؟ فقال: أما إليك فلا فإعراضه عنه في تلك الحالة والتجاؤه إلى ربه ليس إلا لأنه رأى أن كل ما سواه محتاج إليه خاشع لديه خاضع بين يديه مقهور لعزته مغلوب لقدرته بل لم ير موجودا سواه وملجأ إلا أياه، ولو عاد ضمير الجمع في " دلهم " إلى الناس أمكن أن يراد بالأدلة معصومون المطهرون (عليهم السلام). (فقال وإلهكم إله واحد) أي مستحق العبادة منكم واحد لا شريك له يصلح أن يعبد ويسمى إلها. قيل: وحدة الشئ ما يوجب عدم انقسامه من جهة اتصافه بها، فكل موجود متصف بها فإن الرجل الواحد مثلا يستحيل أن ينقسم إلى رجلين وإن أمكن أن ينقسم من وجوه اخر وقيل: هي وجوده الخاص الذي به يوجد، ووحدته تعالى لما لم تكن مقيدة بجهة دون اخرى بل هو متصف بها من جميع الجهات كانت وحدته راجعة إلى أنه بسيط في الذات يعني أن ذاته غير مؤلفة من الأجزاء أصلا، وإلى إنه فرد لا شريك له في الوجود الذاتي والالهية، وإلى أنه واحد في أفعاله لا شريك له في المبدئية وفي انتساب جميع الكائنات إليه إما بلا واسطة أو بواسطة، وإلى أنه واحد في صفاته لان صفاته عين ذاته، وبالجملة عالم الالهية والوجوب الذاتي يتأبى عن تحقق الكثرة فيه ذاتا وصفة والشركة والكثرة إنما يتحقق في عالم الأمكان فمن قال بوقوع الكثرة في ذلك العالم كان ذلك لقصور بصيرته وعدم تميزه بين عالم الأمكان وعالم الوجوب (لا إله إلا هو) قال القاضي وغيره: هذا تقرير للوحدانية وإن أحدا لا يتوهم أن في الوجود إلها ولكن لا يستحق منهم العبادة، وتوضيحه أنه لما قال " وإلهكم إله واحد " ومعناه أن مستحق العبادة منكم واحد أمكن أن يتوهم أحد ويقول: إلهنا إله واحد يستحق العبادة منا فلعل في الوجود إلها غير إلهنا لا يستحق العبادة منا، فأزال هذا الوهم ببيان التوحيد المطلق حيث نفى مهية الإله وأثبت فردا منها فعلم أنه لا وجود لها إلا في هذا الفرد وهو التوحيد التام (الرحمن الرحيم) أي المعطي لجميع النعم الدنيوية والاخروية، فهذا كالبرهان لما مر من أنه يستحق العبادة دون غيره، لأنه لما كان هو المعطي للنعم كلها اصولها وفروعها في الدنيا والآخرة وما سواه إما نعمة أو منعم كانت الالهية واستحقاق العباة منحصرة فيه لا توجد في غيره ________________________________________