[ 94 ] التأثر بخبايث العلائق ومفاسد العادات، وأما غيرهم ممن لم يفرق بين الأقوال والعقائد الحسنة والقبيحة أو فرق واتبع القبيحة بحكم النفس الأمارة فهو من أهل الضلالة والجهالة بحكم المقابلة وإن كان له ما يحيل به في اقتناص الدنيا وزهراتها فإن ذلك عقل عند الجهلاء وشيطنة عند العقلاء. (يا هشام: إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول) الحج القصد ومنه الحجة أي البرهان وولاة أمر الله سبحانه لأنهما يقصدان ويعتمدان وبهما يقصد الحق المطلوب. وقد تطلق على العقل أيضا كما في بعض الروايات: لله على الناس حجتان إحداهما العقل وأخراهما الرسول (1). ولا يجوز إرادته هنا بخلاف الأولين، فانه يجوز إرادة الأول على أن يكون الباء للسببية يعني أكمل للناس براهين وجوده ووجوبه وقدرته إلى غير ذلك من الصفات بسبب العقول وخلقها وتركيبها فيهم ويجوز إرادة الثاني على أن يكون الباء للتعدية أو للسببية أيضا يعني أكمل للناس حججه من الأنبياء والأوصياء المرضيين بعقولهم الصافية وأذهانهم الثاقبة أو بسبب أن منحهم عقولا زكية عارية عن شوائب النقصان مدركة لشواهد الربوبية بحقايق الإيمان (ونصر النبيين بالبيان) البيان الفصاحة لأن نبي كل قوم أفصح منهم لسانا ويجوز أن يراد به ما يتبين به الشئ من الكلام والآيات وغيرهما يعني نصرهم بالكلمات الفائقة والمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة الدالة على ثبوت نبوتهم ليكمل بهم أحوال عباده وينور بهدايتهم أطراف بلاده ويخرج الناس من ظلمة الجهالة والغواية وينجيهم من حيرة الندامة والضلالة (ودلهم على) طريق (ربوبيته) عود ضمير الجمع إلى " النبيين " قريب وإلى " الناس " بعيد (بالأدلة) الدالة على وجود ذاته، والآيات الكاشفة عن جمال صفاته، وتلك الأدلة من آثاره العجيبة وأفعاله الغريبة، لأن معرفة الشئ إما بمشاهدته وحضوره عند العارف كمعرفة هذا الرجل وهذا الجبل، وإما بمعرفة علته وهذا الطريق يقال له برها لمي، وإما بمعرفة معلوله ويقال له: برهان إني. ولا طريق للمعرفة غير هذه الثلاثة لأن ما لا يكون نفس الشئ ولا علته ولا معلوله لا تعلق له بذلك الشئ فلا دخل له في معرفته، ثم الطريق الأول لا يتيسر الوصول إليه إلا للمقربين المخصوصين بزيادة اللطف والتوفيق وهم الذين أخذت أيديهم العناية الأزلية وأزالت عنهم الهويات البشرية وقطعت عنهم العوائق البدنية وأنزلتهم في أعلى منازل القدس وأرفع مقامات الانس، فصاروا بحيث يشاهدونه بلا حجاب ويكالمونه بلا سؤال ولا جواب، كما هو وصف نبينا وأوصيائه (عليهم السلام). والطريق الثاني لا أثر له في ساحة قدسه جل شأنه لأنه بسيط صرف لا تركيب فيه أصلا لا ذهنا ولا خارجا، واجب لذاته مبدء لجميع ما سواه وإليه ينتهي الآثار كلها فلا فاعل له خارجا عن ذاته ولا سبب له داخلا في ________________________________________ 1 - سيأتي مضمونها في هذا الباب تحت رقم 22. (*) ________________________________________