[ 83 ] مفهومه بحسب الرؤية وفائدة الاخبار باعتبار الوصف (بلغني مكانك) أي نزاهة مكانك أو منزلتك أو موضعك (وعبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد الله معك) فيه ترغيب في الميل إلى الصالحين والرفاقة معهم في العبادة (فكان معه يومه ذلك فلما أصبح قال له الملك: إن مكانك لنزه) بالغ في التأكيد (1) مع أن نزاهة المكان أمر محسوس غير قابل للإنكار لأنه رأى العابد مشتغلا بعبادة ربه معرضا عما سواه بحيث لا يخطر بباله المكان والمكانيات أصلا بل كأنه ينكر وجود غيره بالكلية فهو بهذا الاعتبار صار منكرا مصرا فناسب الخطاب معه تأكيدا بليغا (وما يصلح إلا للعبادة) دل على أن مكان العبادة ينبغي أن يكون طاهرا نزها لأنه يوجب نشاط النفس وسرورها ويدفع عنها أنقباضها وكل ذلك يعدها للحركة إلى المقامات العالية الموجبة لتحمل مشاق العبادة ورياضاتها (فقال له العابد: إن لمكاننا هذا عيبا فقال له: وما هو ؟ قال: ليس لربنا بهيمة) أي في الوجود أو في هذا الموضع والأول أولى وأنسب وإنما عد هذا عيبا للمكان باعتبار أنه سبب لعيبه وهو ضياع حشيشه كما أشار إليه بقوله (فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع، فإن هذا الحشيش يضيع) بيان للملازمة (فقال له ذلك الملك: وما لربك حمار) " ما " للاستفهام ويحتمل أن يكون للنفي أيضا أي ليس لربك حمار لأنه أجل وأرفع من أن يكون له حمار، وفيه أن النفي على تقدير صحته لا يناسب قوله (فقال: لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش) هذا قياس استثنائي أنتج برفع التالي رفع المقدم والملازمة ممنوعة لأن خلق كل حشيش لا يجب أن يكون للحمار ونحوه إذ له منافع كثيرة ومصالح جمة لا يعلمها إلا هو، فهذا الكلام من جملة ما دل على قلة عقله (فأوحى الله إلى الملك إنما اثيبه على قدر عقله) فكما كان عقله قليلا كان ثواب عمله أيضا قليلا، وأما عقله فلعدم علمه بأنه ما يفعل ربه بالحمار وأي احتياج له إليه وأن العيب الذي نسبه إلى المكان راجع بزعمه إلى عيب ربه واعتراض عليه بضعف تدبيره لخلق الحشيش عبثا بلا منفعة ولا مصلحة، وأن خلق كل حشيش لا يجب أن يكون لأجل حمار وأن لكل شئ منافع وأغراضا لا يعلمها إلا هو وأن ليس لأحد أن يقوله لربه: لم خلقت هذا ؟ ولم تخلق ذاك، وأن المقامات العلية والدرجات الرفيعة إنما هي للعابدين المعرضين عما سواه حتى علق قلبه بأخس المخلوقات وصرف همته إلى أن يكون راعيا لئلا يضيع النباتات. وفيه دلالة على أن أمثال هذه الاعتقادات الفاسدة والاعتراضات الباطلة والاقتراحات الكاسدة لا يضر في أصل الايمان ولا في الإثابة على الأعمال الصالحة إذا كان مستندة إلى قلة العقل ________________________________________ 1 - يعني " أن " و " اللام " في قوله " ان مكانك لنزه " مشتمل على التأكيد وانما يؤكد الكلام إذا كان المخاطب منكرا مع كون النزاهة محسوسة لا يقبل الانكار فأجاب الشارح (ش). (*) ________________________________________