[ 82 ] التأنيث والتذكير تابع لفاعله دون الموصوف، والفاعل هنا مذكر (وإن ملكا من الملائكة مر به فقال: يا رب أرني ثواب عبدك هذا) دل هذا وغيره من الأخبار على أن الملائكة لا يعلمون ثواب أعمال العباد كما وكيفا بل لا يعلمون نفس الأعمال أيضا إلا ما شاء الله (فأراه الله تعالى ذلك فاستقله الملك) أي عدة قليلا بالنظر إلى عبادته (فأوحى الله تعالى إليه أن اصحبه فأتاه الملك في صورة إنسي) تلبس الملائكة والشياطين والأجنة الذين هم أجسام شفافة بل الأعراض أيضا كالأعمال والعقايد بالصور الجسمانية الكثيفة مما لا ينكره العقل وقد ثبت ذلك من طرق العامة والخاصة بأخبار معتبرة متكثرة، ولا يستلزم ذلك تبدل الحقايق ولاعبرة بانكار بعض أهل الظواهر (1) إذ الحقيقة الواحدة يختلف صورها باختلاف المواطن فيتحلى في كل موطن بحلية ويتزيا في كل نشأة بزي، وهو مذهب الخواص من أهل التحقيق وتوضيحه ما أشار إليه الشيخ في الأربعين من أن سنخ الشئ وأصله أمر مغاير لصورته التي يتجلى بها على المشاعر الظاهرة ويلبسها لدى المدارك الباطنة وأنه يختلف في تلك الصور بحسب المواطن والنشات فيلبس في كل موطن لباساو يتجلبب في كل نشأة بجلباب كما قالوا: إن لون الماء لون إنائه وأما الأصل الذي يتوارد عليه هذه الصور ويعبرون عنه تارة بالسنخ وتارة بالوجه ومرة بالروح فلا يعلمه إلا علام الغيوب، فلا بعد في كونه متلبسا في موطن بالصورة الملكية أو العرضية وفي آخر بالصورة الإنسانية أو الجوهرية، وأيده بمؤيدات لا يليق المقام ذكرها وإنما أتاه بصورة إنسي لا بصورة ملكية ليعرف ذلك العابد أنه من جنسه ولا يعلم أنه ملك لأنه أدخل في الامتحان، أو لعدم استعداد العابد لرؤية الملك بصورته الأصلية أو لعدم قدرته على تحمل هيبة الصورة الملكية، وفيه دلالة على تحقق المكاشفة وظهور الأشياء الملكوتية والآثار الربوبية التي حجبتها الشواغل الجسمية والعوايق البدنية والعلائق البشرية من مشاهدتها على بعض النفوس العارية عن هذه الشواغل، الخالية عن تلك المواضع، المرتاضة بأنحاء الرياضة، الممتازة بأنواع العبادة. والشواهد عليها من القرآن والأخبار كثيرة فلا عبرة بانكار المنكرين (فقال) أي العابد (له) أي للملك (من أنت ؟ قال: أنا رجل عباد) لم يرد أنه رجل بحسب الحقيقة حتى يلزم انقلاب المهية بل أراد أنه رجل بحسب الصورة ويصدق عليه ________________________________________ 1 - " بانكار بعض أهل الظواهر " هذا الكلام من الشارح تصريح بعدم كون ما يرى من الملائكة في الصورة الجسمية عين صورتهم بل يتلبسون بها وكذلك تصريح بتجسم الاعمال، وقال الفاضل العلامة المجلسي رحمه الله في حق اليقين ما معناه بعضهم قائلون بتجسم الاعمال ويقولون يجوز تبدل الصور باختلاف النشآت والعوالم كما يتمثل العلم في الرؤيا باللبن أو الماء وهذا شئ بعيد في العقل ولا يوافق المعاد الذي يعتقده المسلمون - إلى آخر ما قال - والحق ما قاله الشارح، إنه ليس بعيدا في العقل (ش). (*) ________________________________________