[ 46 ] وتزيين النفس وتكميلها بالثالث، ليحصل لهم بذلك نظام الدنيا وكمال الآخرة، وإذا لم يجب عليهم ذلك بطل الغرض من هذه الامور وإذا بطل الغرض بطل هذه الامور ولزم العبث (وفي رفع الكتب والرسل والآداب) والقول ببطلانها وفسادها (فساد التدبير) أي: القول بأن ليس لهذا العالم صانع عالم مدبر يصنعه بتقدير وتدبير وعلم بعواقب الامور من تدبر الأمر إذا نظر في إدباره أي في عواقبه (والرجوع إلى قول أهل الدهر) المنكرين للحشر والنشر وبعث الأنبياء، والقائلين بأن وجود هذا العالم وأجزائه منفعل الطبيعة بإهمال لا بعلم ولا بتدبير، ولا صنعة فيه ولا تقدير بل الاشياء تتكون من ذاتها وكانت الدنيا لم تزل ولا تزال ويقولون * (إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيى وما يهلكنا إلا الدهر) * وإن شئت أن تعرف جملة من تقديرات ربك وتدبيرات إلهك فعليك بمطالعة توحيد المفضل المنقول عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) وقد سمعت عمن أثق به أن السيد الجليل ابن طاووس رضي الله عنه أوصى إلى بعض أحبائه وأمره أن يطالعه ويمارسه (1) والحق أنه مع قلة حجمه كتاب يظهر لمن مارسه من العلم بالحكم الإلهية والتدبيرات الربوبية ما يكل اللسان عن وصفه، ويعجز البيان عن شرحه. (فوجب في عدل الله وحكمته أن يحض) بالحاء المهملة والضاد المعجمة أو بالخاء المعجمة والصاد المهملة وقيل: في بعض النسخ " أن يحصر " بالحاء والصاد المهملتين والراء أخيرا أي يضيق ويحبس. ويؤيد الأخيرين قوله فيما بعد " فكانوا محصورين بالأمر والنهي " (من خلق من خلقه خلقة محتملة للأمر والنهي) وهو من كان من أهل الصحة والسلامة كاملا فيه آلة الكليف (بالأمر والنهي) في الأحكام والمعارف والظرف متعلق بيحض (لئلا يكونوا سدى) السدى بضم السين وقد يفتح وكلاهما للواحد والجمع بمعنى المهمل يقال إبل سدى أي مهملة، وأسديتها أي أهملتها وذلك إذا أرسلتها ترعى ليلا ونهارا بلا راع، فقوله (مهملين) بدل أو بيان أو صفة للتوضيح والتفسير، وفي إهمالهم والتخلية بينهم وبين نفسوهم غير ما ذكر من المفاسد ما لا يخفى (وليعظموه) بتحميده وتمجيده وتوصيفه بما يليق به من صفات الكمال ونعوت الجلال (ويوحدوه) بنفي الشريك والتجزية ذهنا وخارجا (ويقروا له بالربوبية) أي بأنه رب كل شئ ومالكه ومدبره ولا رب سواه. والرب من أسمائه تعالى ولا يطلق على غيره إلا بالإضافة (وليعلموا أنه خالقهم) منه بدء وجودهم وبقاؤهم (ورازقهم) في كل ما ينتفعون به ويحتاجون إليه في التعيش والبقاء، والرزق في اللغة ما ينتفع به وعند الأشاعرة كل ما ينتفع به حي، غذاء كان أو غيره، مباحا كان أو حراما، ________________________________________ 1 - قد أوصى السيد - رحمه الله - ولده وثمرة مهجته " محمد " بقراءة هذا الكتاب الفصل السادس عشر من كتاب كشف المحجة. (*) ________________________________________