[ 45 ] وقد سأل المفضل بن عمر في توحيده عن الصادق (عليه السلام) حين ذكر (عليه السلام) منافع الإنسان من العقل والقوى الظاهرة والباطنة وغير ذلك من الأعضاء وذكر مضار عدمها، فقال المفضل: قلت فلم صار بعض الناس يفقد شيئا من هذه الجوارح فيناله في ذلك مثل ما وصفته يا مولاي ؟ قال (عليه السلام): ذلك للتأديب والموعظة لمن يحل ذلك به ولغيره بسببه، كما قد يؤدب الملوك الناس للتنكيل والموعظة فلا ينكر ذلك عليهم بل يحمد من رأيهم ويصوب من تدبيرهم، ثم إن الذين تنزل بهم هذه البلايا من الثواب بعد الموت أن شكروا وأنابوا ما يستصغرون معه ما ينلهم منها حتى أنهم لو خيروا بعد الموت لاختاروا أن يردوا إلى البلايا ليزدادوا من الثواب، (فخص أهل الصحة السلامة) القابلة عقولهم للأدب والتعليم. وخص بالخاء المعجمة والصاد المهملة (بالأمر والنهي) في المعارف الالهية والفروع الشرعية، وطلب منهم معرفة ذلك بالاستدلال على الوجه المعتبر وتعليمهم لغيرهم كما يشعر به قوله تعالى * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) * (بعد ما أكمل لهم آلة التكليف) يعني القوى الباطنة والظاهرة مع صحتها عن الآفات وخلوها عن الموانع (ووضع التكليف عن أهل الضرر والزمانة إذ خلقهم خلقة غير محتملة للأدب والتعليم) في المعارف اليقينية والقوانين الشرعية بالنظر والاستدلال. ولبعض ههنا كلام لا يخلو من مناقشة لأنه فسر آلة التكليف بالعقل الذي لم يعرضه الجنون والإغماء وشبههما وفسر الضرر والزمانة بالاختلال في العقل وهذا صريح بقرينة المقابلة في أن أوضع التكليف عن أهلهما عنده لفقد العقل بالجنون ونحوه، ثم خص الأدب والتعليم بالمعارف الإلهية حيث قال: أي غير محتملة للتأدب بالآداب العقلية والنسك الإلهية والتعلم بالعلوم الحقيقية والمعارف اليقينية العلمية، والا فالقسمان مكلفان بالأوامر والنواهي الشرعية والأعمال من الصلاة والطواف والزكاة والصيام وغيرها من الأعمال البدنية. هذه عبارته، وفيه: أن القسم الثاني إذا فقد العقل كيف يكون مكلفا بهذه الامور فتأمل. (وجعل عز وجل سبب بقائهم) في الدنيا (أهل الصحة والسلامة وجعل بقاء أهل الصحة والسلامة بالأدب والتعليم) إذ لولا الأدب والتعليم لكانوا كلهم بمنزلة البهائم ولفات الغرض من الايجاد ولو كانوا كذلك لما بقوا طرفة عين، لأن الله تعالى لا يدع الأرض بغير عالم يعرف به الحق من الباطل (فلو كانت الجهالة جايزة) الظاهر أن الفاء للتعليل (لأهل الصحة والسلامة) ولم يجب عليهم الأدب والتعليم كما لم يجب على أهل الضرر والزمانة (لجاز وضع التكليف عنهم) كما جاز وضعه عن أهل الضرر الزمانة (وفي جواز ذلك بطلان الكتب والرسل والآداب) لأن الغرض من إنزال الكتب وإرسال الرسل وتقرير الآداب هو التلقي بما تضمنه الأول والتصديق بما جاء به الثاني ________________________________________