[ 44 ] الخلقة من الفطر بمعنى الايجاد كالخلقة من الخلق في أنها اسم للحالة ثم جعلت إسما للخلقة القابلة لدين الحق على الخصوص، وعليه الحديث المشهور " كل مولود يولد على الفطرة " إسما لملة الإسلام نفسها لأنها حالة من أحوال صاحبها وعليه قوله (عليه السلام) " قص الأظفار من الفطرة " كذا في المغرب، وقد يرجح هذا على ما في الأصل بأن الكلام في أصل الخلقة والفطنة من الامور العارضة. (والعقول المركبة فيهم) بالجر عطف على الفطن يحتمل الرفع بالابتداء قال الجوهري: " تقول في تركيب الفص في الخاتم والنصل في السهم ركبته فتركب فهو مركب " (محتملة) بالنصب حال عن العقول على الأول وبالرفع خبر لها على الثاني (للأمر والنهي) بخلاف البهائم، إذ ليست لها فطانة وذكاء ولا عقول بل يتعلق بها نفوس حيوانية لحفظ التركيب والاغتذاء والنمو وتوليد المثل والاحساس والحركات الارادية. (وجعلهم) بعد اشتراكهم في الفطن والعقول (صنفين صنفا منهم) بدل أو عطف بيان للمفعول الأول (أهل الصحة والسلامة) مفعول ثان، ومن قال: إن " صنفا منهم " منصوب على أنه بدل عن مفعول ثان لجعل وأورد على قوله " أهل الصحة والسلامة " بأنه لا محل له من الأعراب فقد أخطأ (وصنفا منهم أهل الضرر) الضر خلاف النفع والاسم الضرر وهو المشقة والضرير ذاهب البصر (والزمانة) هي آفة في الحيوانات ورجل زمن أي مبتلى بين الزمانة قيل: المراد أنهم ضراير وزمناء في الجوهر الباطني والأول إشارة إلى قصور القوة النظرية التي يقال لها العقل النظري، والثاني اختلال القوة العلمية التي يقال لها العقل العملي. وأقول الأولى حملهما على كل ما يمنع من توجه خطاب التكليف بالأدب والتعليم لأن المقصود بيان من يجوز له التقليد ومن لا يجوز. وأهل الضرر في العقل النظري وأهل الزمانة في العقل العملي قد لا يكونون من أهل التقليد أيضا، ولا يشتبه حالهم على أحد فلا يكون التقسيم كثير فائدة. وههنا سؤال مشهور وهو أنه لم لم يخلقهم سواء ؟ وما الباعث على هذا التفاوت وما المصلحة فيه ؟ فأجاب عنه الأشاعرة بأنه فاعل مختار يفعل في ملكه ما يشاء ويحكم ما يريد، لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون وأجاب بعض الحكماء بأن هذا التفاوت للتفاوت في القابلية، والقابلية شرط في الإفاضة وهذا إلى الإيجاب أقرب ومن ظاهر الشريعة أبعد. وأجاب بعض آخر منهم بأنه لمصلحة نظام الكل الذي لا نظام أكمل منه، لأنه لو خلق كل فرد على الوجه الأكمل بالنسبة إليه وحده لفات نظام الكل من حيث هو كل بل فات نظام كل فرد أيضا، مثلا لو جعل كل فرد فاضلا عاملا لما انتظم المصالح الجزئية التي لا بد في مزوالتها خسة. والحق أن لهذا التفاوت بواعث ومصالح جمة والعقول الناقصة قاصرة عن معرفة تفاصيلها. ________________________________________