[ 43 ] متقربون، ويذمون العلم وأهله وهم عنهم يجتنبون، ويوحون إلى أقرانهم زخرف القول في ذم العلماء وهم بذلك مستبشرون، ويكرهون مجالسة الحكماء الذين هم ورثة الأنبياء وهم بهم مستهزؤون، كذلك طبع الله على قلوبهم وهم عن إدراك الحق مبعدون، فلذلك كاد العلم أن يأرز وينقطع مواده وينهزم عن عساكر الجهل لفقده من ينصره إلا قليلا من المؤمنين. (وسألت هل يسع الناس المقام) بنصب الأول على المفعولية ورفع الثاني على الفاعلية (على الجهالة) في المعارف الحقيقية والامور الشرعية. و " يسع " من وسعة المكان إذا لم يضيق عليه ويستعمل كثيرا في معنى الجواز يقال: يسعه أن يفعل كذا أي يجوز لأن الجائز موسع غير مضيق. والمقام بفتح الميم وضمها لأنه إن كان من قام يقوم فمفتوح، وإن كان من أقام يقيم فمضموم، وهو على التقديرين قد يكون مصدرا بمعنى القيام أو الاقامة، وقد يكون إسما لموضع القيام ويجوز حمله هنا على كلا المعنيين، لأن الأول يناسب الوسع بمعنى الجواز والثاني يناسبه بمعنى الضيق (والتدين بغير العلم) يستند إلى معصوم شفاها أو بواسطة رواة ثقات (إذ كانوا داخلين في الدين، مقرين بجميع اموره على جهة الاستحسان) من غير حجة وبرهان، والظرف متعلق بالدخول والاقرار على سبيل التنازع. (والنشوء عليه) نشأ الصبي ينشأ نشا على فعل بتسكين العين ونشوء على فعول بضمتين وهمز اللام: إذا كبر وشب ولم يتكامل، قيل: في بعض النسخ " والنشق " قال الجوهري: " يقال رجل نشق إذا كان يدخل في امور لا يكاد يتخلص منها " (والتقليد) القلادة هي التي في العنق وقلدت المرأة فتقلدت هي، ومنه التقليد في الدين وتقليد الولاة الأعمال وتقليد الهدي وهو أن يعلق في عنقه شئ ليعلم أنه هدي (للآباء والأسلاف والكبراء) فقبلوا ما قبلوه وردوا ما ردوه من غير أن يتمسكوا في ذلك بمتمسك صحيح ومستند صريح كما هو المشاهد في أكثر هذه الامة. ولو سئلتهم عن وجه ذلك لسكتوا بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون (و الاتكال على عقولهم في دقيق الأشياء وجليلها) يعني في اصول العقائد وفروعها كما هو شأن بعض الحكماء والمتكلمين وتابعيهما وبعض الفقهاء المتمسكين بالأدلة العقلية مثل الاستحسان والاستصحاب والمفهومات وغيرها. (فاعلم يا أخي) شرع في الجواب عما سئله السائل بقوله: " هل يسع الناس " وما أشكاه عن شكايته لم يأت بما يزيلها لأن تلك الخصال الذميمة قد صارت في أكثر الناس كالطبيعة الثانية فلا بد للعاقل اللبيب أن يتجرع كأس الغصص ويصبر صبرا جميلا (إن الله تبارك وتعالى خلق عباده خلقة) بكسر الخاء للنوع والحالة (منفصلة) أي متميزة (عن البهائم في الفطن) جمع الفطنة وهي الفهم والذكاء رجل فطن وفطن ذكي فهيم، وفي بعض النسخ " في الفطر " بالراء جمع الفطرة وهي ________________________________________