[ 300 ] و " ذا " موصولة بمعنى الذي، وهو على جميع هذه التقادير سؤال عن سبب اختصاص كل نبي من الأنبياء (عليهم السلام) بإعجاز مخصوص (بالعصا ويده البيضاء) * (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين) * (وآلة السحر) من باب عطف العام على الخاص، والمراد بها ما يناسب السحر ويشبه عند القاصرين مثل الفلق والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمسة والجدب في نواديهم والنقصان في مزارعهم، والسحر في اللغة ما دق مأذه ولطف سواء كان مذموما شرعا أو عقلا أو ممدوحا ومنه قوله (عليه السلام): " إن من البيان لسحرا " قيل: هذا يحتمل المدح والذم، المدح من حيث أن صاحبه قادرا على استمالة القلوب بحسن عبادته ولطف دلالته وإفصاح مرامه وإبلاغ كلامه، والذم من حيث أنه قادر على تحسين القبيح وتقبيح الحسن وفي الاصطلاح قيل: هو أمر خارق مسبب عن سبب يعتاد كونه عنه فيخرج المعجزة والكرامة لأنهما لا يحتاجان إلى تقديم أسباب وآلات وزيادة اعتمال بل إنما تحصلان بمجرد توجه النفوس الكاملة إلى المبدء جل شأنه، وأيضا الاعجاز يتحقق عند التحدي دون السحر. وقيل: هو كلام يتكلم به أو يكتبه أو رقية أو عمل شئ يؤثر في بدن المسحور أو عقله أو قلبه من غير مباشرة، ومنه عقد الرجل عن زوجته وإلقاء العداوة والبغضاء والتفرقة بينهما وذهب أكثر الأصحاب وبعض العامة إلى أنه لا حقيقة له وإنما هو تخيل محض وتوهم صرف ولا تأثير له أصلا ولا مستند لهم يعتد به على أن التأثير بالوهم يتم لو سبق للمسحور علم بوقوعه وقد يجد أثره من لا يشعر به أصلا، والظاهر أن له حقيقة في نفس الأمر كما دل عليه ظواهر القرآن والأخبار وذهب إليه أكثر العامة وبعض الأصحاب وإليه ميل الشهيد الثاني ومن شاهد من الأجسام ما هو قتال كالسموم وما هو مسقم كالأدوية الحارة مثلا وما هو مصحح كالأدوية المضادة للمرض لا يبعد في عقله أن يكون تركيب مخصوص في الكلام وتلفيق معين في الكلمات وهيئة مخصوصة في العقود ونحوهما مما يؤدي إلى الهلاك والتفرقة أو السقم أو اختلال الحال إلى غير ذلك من المفاسد وأن ينفرد الساحر بعلم ذلك كما ينفرد صاحب التجربة بخواص الدواء (وبعث عيسى (عليه السلام) بآلة الطب) أي بما يشبه بها من إبراء الأكمه والأبرص وأنواع الأمراض المزمنة وإحياء الموتى. والطب بالحركات الثلاث والكسر أشهر وهو في اللغة الحذاقة وكل حاذق طبيب عند العرب وفي الاصطلاح علم تعرف به أحوال بدن الإنسان من حيث الصحة والفساد والغرض منه حفظ الصحة وإزالة المرض. (وبعث محمدا صلى الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء بالكلام والخطب) يحتمل أن يراد بالكلام القرآن الكريم البالغ في الفصاحة والبلاغة حد الاعجاز الخارج عن قدرة البشر وبالخطب الكلام النبوي المشتمل على غاية الفصاحة والبلاغة بحيث لا يدانيه كلام أحد من البلغاء ولا ________________________________________