[ 383 ] تعمرها. فإنك لم تؤمر بعمارتها، وأعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن أربع: شبابك فيما أبليته وعمرك فيما أفنيته ومالك مما إكتسبته وفيما أنفقته، فتأهب لذلك وأعد له جوابا، ولا تأس على ما فاتك من الدنيا، فإن قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه وكثيرها لا يؤمن بلاؤه، فخذ حذرك، وجد في أرك وإكشف الغطاء عن وجهك وتعرض لمعروف ربك وجدد التوبة في قلبك وإكمش فيه فراغك قبل أن يقصد قصدك ويقضى قضاؤك ويحال بينك وبين ما تريد. * الشرح قوله (مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز) تشبيه تمثيلي في غاية الحسن واللطف ووجه التشبيه هو أن الدودة تفعل فعلا فيه هلاكها ونفع غيرها وهي لا تعلم وكذلك الحريص على الدنيا. قوله (كان فيما وعظ به لقمان إبنه يا بني إن الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا ولم يبق من جمعوا له) فيه تزهيد في صرف العمر في الفاني كما أن في قوله (وإنما أنت عبد مستأجر - إلى آخره) ترغيب في صرفه في الباقي للباقي والتشبيه بالمستأجر تمثيل للمعقول بالمحسوس فكما أن الأجير لا يستحق الاجرة بدون العلم كذلك أنت لا تستحق الثواب بدون العمل له، ويقرب منه ما روى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال " الناس في الدنيا عاملان عامل للدنيا في الدنيا قد شغلته دنياه عن آخرته. يخشى على من يخاف الفقر يأمنه على نفسه فيفني عمره في منفعة غيره، وعامل عمل في الدنيا لما بعدها فجاءه الذي له من الدنيا بغير عمل فأحرز الحظين معا وملك الدارين جميعا، فأصبح وجيها عند الله لا يسأل الله حاجة شيئا ثم أشار إلى أن الحرص في الدنيا مهلك بقوله: (ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة) هذا أيضا تشبيه تمثيلي وفيه تزهيد في تناول زهرات الدنيا ومطعوماتها الشهية وكثرة الأكل منها فإن ذلك موجب لقوة النفس الإمارة وطغيانها وسبب لهلاكها ثم أمر بعتم الركون إلى الدنيا والإستقرار فيها للجمع والإدخار بقوله: (ولكن إجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر) هذا أيضا تمثيل ووجه ظاهر إذ كل عاقل يعلم أن الدنيا محل العبور لا محل النزول كالقنطرة فأنظر هل ترى فيها من السابقين أحدا، ثم أمر برفض كل ما لا يحتاج إليه بقوله: (أخربها ولا تعمرها فإنك لم تؤمر بعمارتها) لعل المراد بإخرابها ترك ما لا يحتاج إليه من المطاعم والمشارب والملابس والمساكن والمناكح والإقتصار على القدر الضروري في كل منها. إذ لا بد للسالك من زاد للدنيا وزاد للآخرة فزاد الدنيا القدر الضروري مما ذكر وكلما كان أقل فهو أحسن وأفضل وزاد الآخرة العلم والعمل وتهذيب الظاهر والباطن وهو كلما كان اتم وأكثر كان ________________________________________