[ 379 ] (هو المنظور إليه لعظيم شأنه) أي هو الذي ينبغي أن ينظر إليه لا إلى غيره لعظمته شأنه وحقارة ما سواه، ثم خاطب جابرا وكل من يصلح للخطاب وزهده في الدنيا بتمثيل بليغ بقبح حال الدنيا وصاحبها فقال (فأنزل الدنيا كمنزل نزلته) في سفرك (ثم إرتحلت عنه، أو كما وجدته في منامك) مثل مال وجاه وإمرأة جميلة. (فأستيقظت وليس معك منه شئ) شبه الدنيا بذلك المنزل في قلة زمان الكون فيه وشبه متاعها بذلك الكمال (1) بالموت الشبيه بالإستيقاظ فلا يكون معك منه شئ كما لا يكون مع المتقيظ من ذلك الكمال شئ. ويظهر منه سر قوله أمير المؤمنين (عليه السلام) (الناس نيام فإذا ماتوا إنتبهوا) والعاقل اللبيب إذا نظر إلى الدنيا بعين البصيرة ووجدها متصفة بالصفات المذكورة زال عنه حبها. قال الشاعر موافقا لهذا التمثيل: نزلنا ههنا ثم إرتحلنا * كذا الدنيا نزول وإرتحال أردنا أن نقيم بها ولكن * مقام المرء في الدنيا محال وقال بعض أكابر الشيعة: " والله لو كانت الدنيا بأجمعها تبقى علينا ويأتي رزقها رغدا ما كان من حق حر أن يذل لها فكيف وهي متاع يضمحل غدا " ثم أشار إلى التمثيل آخر أبلغ وأظهر بقوله (إني إنما ضربت لك هذا مثلا لأنها عن أهل اللب والعلم بالله كفئ الظلال) في سرعة الزوال، أو في أنه ليس بشئ حقيقة، أو في الإستظلال به قليلا ثم الإرتحال عنه، أو في أنه يرى ساكنا وهو يزول بالتدريج آنا فآنا والدنيا كذلك " والظلال " جمع الظل وهو والفئ بمعنى واحد عند كثير من الناس، وقال إبن قتيبة وليس كذلك بل الظل يكون غدوة وعشية والفئ لا يكون إلا بعد الزوال فلا يقال لما قبل الزوال فئ وإنما سمى بعد الزوال فيئا لأنه ظل فاء عن جانب المغرب إلى جانب المشرق، والفئ الرجوع، وقال إبن السكيت الظل من الطلوع إلى الزوال والفئ من الزوال إلى المغرب، وقال ثعلب الظل للشجرة وغيرها للغداة والفئ بالعشاء، وقال رؤبة بن العجاج كلما كانت عليه الشمى فزالت عنه فهو ظل وفئ وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل ومن هنا قيل الشمس تنسخ الظل والفئ ينسخ الشمس. (يا جابر فأحفظ ما إسترعاك الله عز وجل من دينه وحكمته) وهي العلم بالشرائع والمراد بحفظه حفظه عن الضياع والعمل وبه وتعليمه لمن هو أهل له. ________________________________________ 1 - كما حرف الجر دخلت على كلمة مال لأمن كمل كما توهمه (ش). (*) ________________________________________