[ 380 ] (ولا تسألن عما لك عنده) من الحقوق مثل الرزق وغيره لأنه لا يترك ما للعبد عليه وما ورد من الحث على الدعاء لطلب لرزق فهو لكن الدعاء عبادة، أو للتوسعة، أو لغير ذلك مما يجئ تفصيله في كتاب الدعاء إن شاء الله تعالى. (إلا ما له عند نفسك) من الطاعة والتسليم والزهد في الدنيا فإنك تحتاج إلى السؤال عنه وطلب المدد الإعانة والتوفيق منه تعالى والإستثناء من الموصول وظاهره الإنقطاع لأن الحقين متغايران لا يصدق أحدهما على الآخر ويمكن أرجاعه إلى الإتصال لأن ماله عند نفسك فهو لك في الحقيقة وثمرته راجعة إليك لأنه أجل من أن يحتاج إلى شئ ويعود إليه فوائد من العباد والله أعلم. (فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك فتحول إلى دار المستعتب) هذا من الغريب وحقيقته غير معلومة لنا، ولكن نقول على سبيل الإحتمال: لاريب في إتصاف الدنيا بالأوصاف المذكورة والناس فيه ثلاثة أقسام لأن من إعتقد بإتصافها بها وجب عليه الزهد فيها عملا بمقتضى علمه ومن إعتقد بعدم إتصاف أو لم يعتقد بالإتصاف ولا بعدمه فليتحول إليها ليعلم شدائذها وإنقلابها على أهلها وإتصافها بما ذكر بالتجربة والإمتحان والشرط المذكور شامل للأخيرين والمستعتب بالكسر من يطلب الرضا بإزالة ما عوتب عليه وخوطب بالسخط، وإنما قال " فتحول إلى دار المستعتب " ولم يقال فتحول إليها للإشعار بأن كل أهل الدنيا والمائل إليها مستعتب يوم القيمة ونادم على ما كان عليه وطالب للعفو والرضا ولكن لا ينفعه ذلك كما ورد " ما بعد الموت بعد مستعتب ". (فلعمري لرب حريص على أمر قد شقى به حين أتاه ولرب كاره لأمر قد سعد به حين أتاه) كما قال جل شأنه * (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " إذ ما من شئ إلا وله جهات متعددة فربما أحد حسن جهة فيطلبه وهو غافل عن قبح جهات آخر، أو عن قبح عاقبة تلك الجهة وربما يدرك قبح جهة فيكرهه وهو غافل عن حسن جهات آخر، أو عن حسن عاقبة تلك الجهة. (وذلك قول الله عز وجل وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين) أي كون مكروه الدنيا سعادة ومرغوبها شقاوة أو حصول السعادة بالمكروهات وحصول الشقاوة بالمرغوبات مضمون هذا القول الكريم، فإن تمحيص المؤمن إنما بكون بورود مكاره النفوس وما يثقل عليها ليخرج من بوتقة الإمتحان خالصا صافيا سعيدا وترك التمحيص في الحريص يوجب محقه وفساده وإمتداده في الغي والطغيان فالتمحيص في المؤمن لطف وإحسان وتركه في الحريص محق وخذلان. * الأصل ________________________________________