[ 378 ] بالفقه والفكرة والعبرة بقوله: (وكأن المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة لم يصمهم عن ذكر الله جل اسمه ما سمعوا بآذانهم) من أخبار بسطة أيدى السابقين والقاصين وكثرة أموالهم وشدة تمكنهم من الدنيا (ولم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا) في أهل الدنيا - (ومن الزينة بأعينهم ففازوا) لترك الدنيا (بثواب الآخرة كما فازوا بذلك العلم) إذا بتفقههم يعرفون الخير والشر ويميزون بين الحق والباطل وبين الباقي والزائل وبفكرتهم يتفكرون في أحوال ما بعد الموت إلى أن يدخل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، وفي وهوال ما يرد عليه الإنسان بعده من المقامات وصعود بالتخلص منها وبالعبرة يعتبرون بأنفسهم في كيفية وصول الرزق إليهم حين كونهم أجنة في بطون امهاتهم من غير إختيار ولا عمل لهم، وبأحوال الماضين وما كانوا فيه من نعيم الدنيا ولذاتها والمباهات بكثرة الأموال والأعوان، ثم المفارقة لذلك كله بالموت أو الاخذ، وبقاء الحسرة والندامه والأعمال وعلائق الدنيا حجبا حائلة بينهم وبين الرحمة وحضرة جلال الله وذلك يبعثهم على الزهد في الدنيا والإقبال ظاهرا وباطنا إلى الله تعالى والسعي للآخرة رحم الله من تفقه وتفكر وإعتبر فأصبر، ثم أشار إلى جملة من حالات الزاهدين وصفات المتقين بقوله: يا جابر ان أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة) أي ثقلا لأنهم لا يتحملون من الدنيا إلا القدر الضروري في التعيش والبقاء (وأكثرهم لك معونة) لأنهم مستعدون لاعانة المحتاجين في أمور الدنيا والدين سألوا أم لا كما أشار إليه بقوله (تذكر) أي حاجتك، (فيعينونك) فيها (وإن نسبت ذكروك) وأرشدوك إليها وإلى طريق قضائها، ثم يعينونك مع الحاجة إلى الإعانة (قوالون بأمر الله) لأن شأنهم إرشادهم وهدايتهم للخلق إلى ما فيه صلاحهم وزجرهم عما فيه فسادهم (قوامون على أمر الله) يحفظونه من الزيادة والنقصان ويمنعون عنه تصرف أهل الجهل والطغيان فهو بعنايتهم ينتظم ويقوم وبحمايتهم يستقيم ويدوم (قطعوا محبتهم بمحبة ربهم) أي قطعوا محبتهم عن جميع الأشياء وإختاروا محبة ربهم، أو تركوا ما يحبونه وعملوا بما يحبه ربهم. (ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم) أي إنقطعوا عن الدنيا وفروا منها ولم يستأنسو إليها لأن يطيعوا مالكهم فيما أراد منهم من ترك الدنيا أو الأعم منه ومن ترك جميع الشرور وفعل جميع الخيرات بقلب فارغ عن غيره (ونظروا إلى الله عز وجل وإلى محبته بقلوبهم) بقلوبهم متعلق بنظروا وإنما أخرها مع أن النظر مسند إليها في الحقيقة أما للإهتمام بالمقدم أو لقصد الحصر أي نظروا ببصيرة قلوبهم إلى الله وإلى محبته لا إلى غيرهما والأخير أنسب بقوله (وعلموا أن ذلك) أي ذلك المذكور وهو الله ومحبته والإشارة للتعظيم. ________________________________________