[ 377 ] إرتحلت عنه، أو كمال وجدته في منا منك فأستيقظت وليس معك منه شئ، إني [ إنما ] ضربت لك هذا مثلا، لأنها عند أهل اللب والعلم بالله كفيئ الظلال، يا جابر ! فأحفظ ما إسترعاك الله عز وجل من دينه وحكمته ولا تسألن عما لك عنده إلا ما له عند نفسك، فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك فتحول إلى دار المستعتب، فلمعري لرب حريص على أمر قد شقى به حين أتاه ولرب كاره لأمر قد سعد به حين أتاه، وذلك قول الله عز وجل: * (وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين) *. * الشرح قوله (أنه من دخل قبله صافي خالص دين الله شعل قلبه عما سواه) لعل المراد بالخالص الإيمان الحقيقي واليقين بالله وإضافة والصافي إليه أما بيانية أو لاميه بأن يراد بالصافي التقرب منه تعالى وحب لقائه ولقاء الآخرة، هذا وجه لشغل قلبه الشريف عما سواه، وأما وجه حزنه فلعله أن الإنسان وان طي مقامات السير ووصل إلى الحق وقرب منه لكنه مادام في هذه الدار لا يخلو من بعد في الجملة، وإنما يحصل القرب التام والوصول الكامل بعد المفارقة منها فالعارف في هذا الدار دائما في شعل عما ذكر وحزن لفقد هذا الكمال الذي لا يتأتي إلا بالموت ولذلك قال علي (عليه السلام) حين ضرب " فزت برب الكعبة " ثم أشار إلى ذم الدنا وترك محبتها على وجه يشعر بتحقيرها بقوله: (يا جابر ما الدنيا وما عسى أن تكون الدنيا هي إلا طعام اكلته، أو ثوب لبسته، أو امرأة أصبتها) للتنبيه على أن جل منافع الدنيا هذه الامور هي منصرمة منقضية لا بقاء لها. والعاقل لا يجب ولا يركن إلى ما هو في معرض الفناء والزوال سريعا، ثم أشار إلى أن المؤمنين السابقين لم يركنوا إلى الدنيا ولم يطمئنوا ببقائهم فيها خوفا من أمر الآخرة وقدومهم إليها بقوله (يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا ببقائهم فيها ولم يأمنوا قدومهم الآخرة) بل تركوا الدنيا وخافوا قدومهم الآخرة والمراد بالمؤمنين المؤمنون الكاملون وهم الكرماء والمتورعون في مكاسبهم والملازون فيها للأعمال الجميلة الصالحة والأخلاق الفضيلة الكاملة وأداء الحقوق النفسية والبدنية البالغون بذلك إلى أعلى مراتب المحبة وأقصى معارج اليقين، ثم بالغ في الحث على الزهد في الدنيا بقوله: (يا جابر الآخرة دار قرار والدنيا دار فناء وزوال ولكن أهل الدنيا أهل غفلة) للتنبيه على أنه لا ينبغي ايثار الفاني على الباقي ولكن أهل الدنيا لما كانوا جاهلين بقبائح الدنيا غافلين عن أمر الآخرة واختاروا الزائل ترجيحا للشاهد على الغائب وهو محل التعجب ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام) " عجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء " ثم أشار إلى أن كمال الإيمان والزهد في الدنيا يتحققان ________________________________________