[ 376 ] وفسقة والمعنى أنهم خائفون من الله تعالى وتاركون جميع القبايح البدنية والنفسانية، وأشار إلى ثمرة خوفهم بقوله: " كأنهم القداح " وهي بالكسر جمع القدح بالكسر والتسكين وهو السهم قبل أن يراش ويركتب عليه نصله وأشار إلى وجه الشبه بقوله " قد براهم الخوف من العبادة " وبراهم بفتح الباء وتخفيف الراء مثل هداهم من البرى " وهو تراشيدن تير " يعني قد براهم الخوف كبر القداح في النحافة والدقة وإنما يفعل الخوف ذلك لإشتغال النفس المدبرة للبدن بسبب الخوف عن النظر في صلاح البدن ووقوف القوة الشهوية والغاذية عن أداء بدل ما يتحلل. (ينظر إليهم الناظر) من أهل الدنيا الذي طوره غير طورهم (فيقول مرضى) أي هم مرضى نظرا إلى نحاقة أجساهم (وما بالقوم من مرض أم خولطوا) أي اختلت عقولهم نظرا إلى تكلمهم بكلام خارج عن دركه (فقد خالط القوم أمر عظيم) وهما الخوف من ذكر النار وما فيها وفيه إشارة إلى ما يعرض لبعض العارفين عند ذكر النار وما فيها وإتصال نفسه بالملاء الأعلى، واشتغاله عن تدبير البدن وضبط حركاته وسكناته على نحو حركات أهل الدنيا وسكناتهم من نحول جسمه وتغير هيئته وتكلمه بكلام خارج عن طور كلامهم مستبشع عندهم فينبسه الناظر منهم تارة إلى المرض الجسماني وتارة إلى المرض الروحاني وهو اختلاط العقل واختلاله بالجنون فقال (عليه السلام) أما المرض فمنتف، وأما المخالطة فمتحققة لكن لا بالجنون ونقصان العقل كما توهموا، بل الخوف والذكر والإتصال. وهي داوء للنفس يشفيها من جميع الأمراض المهلكة. * الأصل 16 - عنه، عن علي بن الحكم، عن أبي عبد الله المؤمن، عن جابر قال: دخلت علي أبي جعفر (عليه السلام) فقال: يا جابر والله إني لمحزون وإني لمشغول القلب، قلت: جعلت فداك وما شغلك ؟ وما حزن قلبك ؟ فقال: يا جابر أنه من دخل قلبه صافي خالص دين الله شغل قلبه عما سواه، يا جابر ما الدنيا وما عسى أن تكون الدنيا هل هي إلا طعام أكلته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها ؟ ! يا جابر إن المؤمنين لم يطمئتوا إلى الدنيا ببقائهم فيها، ولم يأمنوا قدومهم الآخرة، يا جابر الآخرة دار قرار والدنيا دار فناء وزوال ولكن أهل الدنيا أهل غفلة وكأن المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة، لم يصمهم عن ذكر الله جل اسمه ما سمعوا بآذانهم ولم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة بأعينهم ففازوا بثواب الآخرة، كما فازا بذلك العلم، واعلم يا جابر أن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة وأكثرهم لك معونة، تذكر فيعينونك وإن نسيت ذكروك، قوالون بأمر الله قوامون على أمر الله، قطعوا محبتهم بمحبة ربهم ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم ونظرا إلى الله عز وجل وإلى محبته بقلوبهم وعملوا أن ذلك هو المنظور إليه، لعظيم شأنه. فأنزل الدنيا كمنزل نزلته ثم ________________________________________