[ 375 ] المصائب الدنيوية كلها راجعة إلى فوات الدنيا ومن زهد فيها سهل فواتها عنده ولا يحزن به. (ألا أن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في البدن مخلدين وكمن رأى أهل النار في النار معذبين) أشار به إلى أن العارف وأن كان في الدنيا بجسده فهو في مشاهدة بعين بصيرته لأحوال الجنة وسعادتها وأحوال النار وشقاوتها كالذين شاهدوا الجنة بعين حسهم وتنعموا فيها وكالذين شاهدوا النار وعذبوا فيها كما مر في حديث حارثة وهي مرتبة عين اليقين وبحسب هذه المرتبة كانت شدة شوقهم إلى الجنة وشدة خوفهم من النار. وأشار إلى بعض أحوال هؤلاء بقوله (شرورهم مأمونة) لأن علمهم بقبح عاقبة الشر يمنعهم عن القصد له والتوجه إليه ولأن مبدأ الشر محبة الدنيا وهم بمعزل عنها. (وقلوبهم محزونة) من إحتمال تقصيرهم فيما مضى أو فيها يأتي وعدم علمهم بعاقبة امورهم وبما يفعل بهم في الدنيا والآخرة، وخوفهم من ألم الفراق والعقبات المستقبلة ولا يسكن حزنهم ولا تطمئن قلوبهم حتى يخرجوا من الدنيا. (أنسهم عفيفة) لإعتدال قوتهم الشهوية ووقوعها على الوسط بين رذيلتي الخمود والفجور فلا يعجزون عن الحق ولا يميلون إلى الفجور (حوائجهم خفيفة) لإقتصارهم في الدنيا على القدر الضروري منها (صبروا أياما قليلة فصاروا بعقبى راحة طويلة) أريد بأيام قليلة مدة عمرهم وهم صبروا فيها على المكاره والشدائد والشدائد وترك الدنيا وإحتمال أذي الخلق والقيام بالتكاليف، وفي ذكره قلة مدة الصبر وإستعقابه للراحة الطويلة ترغيب في الصبر تحمل مشقة كثيرة في مدة قليلة لمنفعية جزيلة راحة طويلة أبدية سهل وتلك الراحة هي السعادة في الجنة كما قال جال وعز * (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ". (أما الليل فصافون أقداومهم تجرى دموعهم على خدودهم وهم يجأرون إلى ربهم يسعون في فكال رقابهم) جأر كمنع رفع صوته بالدعاء وتضرع واستغاث، وفيه إشارة إلى كماله في القوة العملية بارتكاب العبادات والتضرع والإستغاثة إلى الله والخوف منه والترقب بما عنده من الكرامة والعفو من التصير، وذكر الليل لأن العبادة فيه أشق وأقرب إلى القربة والقلب فيه أفرع. (وأما النهار فحلماء علماء بررة أتقياء كأنهم القداح، قد براهم الخوف من العبادة) أما النهار عطف على أما الليل وكلاهما يجوز فيه الرفع على الإبتداء والنصف على الظرفية. والحلم فضيلة تحت ملكة الشجاعة وهي الوسط بين رذيلتي المهابة والافراط في الغضب. والعلم اشارة إلى كمالهم في القوة النظرية بالعلم النظري والشرعي وهو معرفة الصانع وصفاته وأحكامه الشرعية. والبر بالفتح والبار الصادق أو التقى وهو خلاف الفاجر وجمع الأول أبرار وجمع الثاني بررة مثل كافر وكفرة وفاسق ________________________________________