[ 368 ] الدنيا يوم القيامة تقول (1) يالاشئ أني لم أرضك لهم في الدنيا كيف أرضاك لهم اليوم ". * الأصل 10 - علي بن إبراهيم، عن علي بن محمد القاساني، عمن ذكره، عن عبد الله ابن القاسم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أراد الله بعبد خيرا زهده في الدنيا وفقهه في الدين وبصره عيوبها ومن أوتيهن فقد اوتي خير الدنيا والآخرة، وقال: لم يطلب أحد الحق بباب أفضل من الزهد في الدنيا وهو ضد لما طلب أعداء الحق، قلت: جعلت فداك مماذا ؟ قال: من الرغبة فيها، وقال: إلا من صبار كريم، فإنما هي أيام قلائل، ألا إنه حرام عليكم أن تجدوا طعم الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا، قال: وسمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما ووجد حلاوة حب الله وكان عند أهل الدنيا كأنه قد خولط وإنما خالط القوم حلاوة حب الله، فلم يشتغلو بغيره. قال: وسمعته يقول: إن القلب إذا صفا ضاقت به الأرض حتى يسمو. * الشرح قوله (لم يطلب أحد الحق بباب أفضل من الزهد في الدنيا للحق أبواب لا يمكن الوصول إليه إلا بالدخول فيها منها الطاعات وترك المنهيات على أنواعهما ومنها الأخلاق الفاضلة ومنها ترك الأخلاق الباطلة والزهد في الدنيا أعظم هذه الابواب لأنه مفتحا لجميعها ثم أشار إلى ضده على وجه يفيد أن الزهد يوجب محبة الحق وأنه عبارة عن تطهير القلب من الرغبة في الدنيا وميله إليها لا عن ترك الدنيا مع تعلق القلب بها فقال (وهو ضد لما طلب أعداء الحق) وقول السائل (مماذا) ________________________________________ 1 - قوله " إن الدنيا يوم القيامة تقول " لا يخفى أن هذا الخبر لا يوافق ما في أذهان بعض الناس من أن الفرق بين الدنيا والآخرة بتقدم الاولى زمانا وتأخر الاخرى كذلك والاخرة عندهم هي الدنيا بعينها لكن في زمان متأخر نظير تأخر امة إبراهيم عن امة نوع (عليه السلام) وكما لا يمكن أن يطلب رجل من عهد إبراهيم (عليه السلام) ان يجعله زمان نوح (عليه السلام) كذلك لا يمكن أن يطلب رجل من عهد مضى الدنيا وإنقضائها أن يجعله من أهل الدنيا والحق أن الفرق بين العالمين ليس بتأخر والتقدم الزمانيين فقط بل بينهما فرق في أمور كثيرة كما يظهر لمن تتبع الايات الكريمة والروايات الكثيرة وليس هنا موضع ذكرها ولذلك لم يجب الله تعالى السائلين عن وفت الساعة وزمانها ولم يقررهم على جهلهم والمعنى أن الدنيا طلبت من الله تعالى أن يجعل الصالحين من أهل الدنيا لاالدنيا المتقدمة زمانا بل الدنيا الجامعة لهذه الصفات المختصة بها من التغير والكون والفساد وأمثالها ولو في زمان تأخر بالنسبة إلى الدنيا السابقة لا بالنسبة إلى الآخرة إذ ليس بعد الآخرة شئ وقد سبق في الصفحة 318 من هذا الجزء قول الشارح قد صرح بعض أصحابنا بأن عذاب المستحق له واقع بالفعل وان جهنم لمحيطة به وإنه داخل فيها ولكن الحجاب مانع من رؤيتها لحكمة تقتضيه. إنتهى، وهذا يدل على عدم تأخر العذاب عن الدنيا تأخرا زمانيا. (ش) (*) ________________________________________