[ 367 ] لظهور أن الدنيا ليست دار إقامة فهي ليست بدار حقيقة، ثم قبح الدنيا والجمع لها بقوله (ولها يجمع من لا عقل له) لأن العاقل يعلم بنور بصيرته إن الدنيا وما فيها منصرمة مؤذية بأهلها مضرة بأمر الآخرة فلا يسكن إليها ولا يشغل بالجمع لها بل يفر منها إلى الله وأما الجاهل فلخمود عقله يغفل عن أمره الآخرة ولا يعلم إلا ظاهرا من الحياة الدنيا وليس له هم إلا الجمع لها، فأنظر أيها الأخ في الله إلى علو همة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف ترك الدنيا ورفضها وهي في يده من غير تعب ولاضرر في شئ من أمر آخرته وماله عند الله من المقامات العالية لظهور عيوبها وكثرة مقابحها ومساويها وليكن لك اسوة حسنة بنبيك الأطهر بل أنت أولى بتركها وأجدر لأنك لا تخلو من التعب في تحصيلها ومن الحرمان في عدم حصولها ومن الضرر في أمر الآخرة والدنيا. * الأصل 9 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بجدي أسك ملقى على مزبلة ميتا، فقال لأصحابه: كم يساوي هذا ؟ فقالوا: لعله لو كان حيا لم يساو درهما، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذا الجدي على أهله. * الشرح قوله (مر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بجدى أسك ملقى على مزبلة ميتا) الأسك مقطوع الاذنين أو صغيرهما مطلقا أو مع لصوقهما بالرأس وقلة أشرافهما والمزبلة بفتح الباء والضم لغة موضع يلقى فيه الزبل بالكسر وهو السرقين ثم عن قيمته (فقال لأصحابه كم يساوي هذا) والغرض من هذا السؤال تقريرهم على أنه خبيث لاقيمة له فهم أقروا بذلك (فقالوا لعلله لو كان حيا لم يساو درهما) فهو على هذه الحالة الكريهة غير مرغوب لأحد فلا تيمه له، والغرض من هذا التقرير تنفيرهم عن الدنيا بشبيهها به وتفضيلها عليه في الهون والخبث لأنه لا ينفع ولا يضر بخلاف الدنيا فأنها تضر كثيرا (فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذا الجدي على أهله) نظيره قول أمير المؤمنين (عليه السلام) " والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم " العراق بعضم العين وتخفيف الراء العظم وأيضا نظيره ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مر بالسوق فمر بجدى أسك ميت فتناوله فأخذ بإذنه ثم قال أيكم يحب أن هذا له بدرهم ؟ فقالوا ما نحب أنه لنا بشئ وما نصنع به قال تحبون أنه لكم ؟ قالوا والله لو كان حيا كان غيبا فيه لأنه أسك فيك وهو ميت رب فقال فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم " وروى " أن ________________________________________