[ 365 ] عبد الله (عليه السلام) قال: ما أعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شئ من الدنيا إلا أن يكون فيها جائعا خائفا. * الشرح قوله (ما أعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شئ من الدنيا إلا أن يكون جايعا خائفا) خوفه كان فوق خوف الخائفين وجوعه مشهور وفي كتب الأحاديث مذكور وقد روى أنه لم يشبع من خبر الحنطة ثلاثة أيام متوالية ولأمن اللحم قط وأنه أهضم أهل الدنيا كشحا وأخمصهم بطنا وأنه إذا إشتد جوعه كان يربط حجرا على بطنه ويسميه المشبع وأنه كان يأكل على الأرض ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله ويرقع بيده ثوبه ويركب الحمار العاري ويردف خلفه وأنه رأى سترا نصبته بعض أزواجه على باب داره فقال لها غيبيه عنى فإنه يذكرني الدنيا وزخازفها فأعرض عن الدنيا بقلبه وأمات ذكرها من نفسه وأحب أن تغيب زينتها من عينه وما ذلك إلا لخسة الدنيا ومتاعها في نظره فليكن لك أسوة حسنة به (صلى الله عليه وآله وسلم) وأعلم أن في الجوع فوائد منها صفاء القلب (1) ________________________________________ 1 - قوله " إن في الجوع فوائد منها صفاء القلب " أعلم أن النفس الإنسانية مع تعلقها بالبدن وإتحادها مع القوى لها مقام شامخ بنفسه غير متعلق وكلما إزداد جهة تعلقها شدة إزداد جهة تجردها ضعفا وكلما نقص جهة تعلقها قوى جهة تجردها، وهذا أمارة كونها شيئا مستقلا بنفسه مجردا عن البدن ولا يمكن أن يعترف أحد بأن في الجوع صفاء القلب إلا إذ إعترف بأن القلب أي النفس الناطقة غير البدن وإلا كان كمال البدن بالشبع وكما النفس كذلك وقد مرفى الصفحة 311 إستدلال بعضهم على تجرد النفس بوجود الإختيار لها وأنها لو كانت مادية كان جميع أفعالها قهرية إجبارية كضربان القلب والنبض، وقال بعض العلماء أن الإدراك من خواص الموجود المجرد لأن المادة والجسم ليس من شأنهما الإدراك وليس إنطباع صورة في جسم مقتضيا لأن يحس به وإلا لكان جسم مدركا للعوراض الحالة فيه فالإدراك من عالم آخر غير عالم الماديات إلا أن بعض الإدراكات يحتاج فيها إلى آلة كالسمع والبصر وبعضها لا يحتاج كالعقل والآلة ليست بمدركة قطعا وإنما المدرك من إستعمل تلك الآلة ولايندعم مستعمل الآلة وان عجز عما كان يفعله بوساطة الآلة، كما أن الأعمل لا يقال وجوده بفقد البصر ولا الإصم بفقد السمع ولا المغمى عليه بفقد الحواس كلها فقد يعرض الأغماء فيفيق ويدرك أنه هو الذي كان قال الأغماء مع علومه وملكاته وليس موجودا جديدا وما يدرك بالالات كل مرة محسوس جديد غير ما إدرك أولا، وأيضا يتبدل الجسم وأجزائه ولا يبقى بعد نحو سبع سنين مما كان شئ مع أن علمه بذاته وبغير ذاته هو الذي كان ولو كان النفس عين البدن أو معلولا له لم يبق له بعد سنين شئ من معلوماته السابقة فثبت أن الأعضاء آلات ولا يتغير مستعمل الآلة بتبدل الآلة. وقالوا لو كانت العلوم الكثيرة الحاصلة للإنسان خصوصا للعلماء والحكماء في الفنون المختلفة حالات وعوارض طارية على دماغهم لتشوشت الصور وتداخلت وإمتزجت وإرتفع الإمتياز بينها كما أن الأصوات المختلفة لو تواردت على السمع لم يتمايز وإذا تحركت الأشياء المختلفة سريعا مقابل الصبر لم يميز الصبر بينها مع أن الصور العقلية متمايزة جديدا مع إجتماعها دفعة وجميع علوم إبن سينا المكتوبة في تصانيفه لو كانت حالات عارضة على دماغه وهى محتمعة لم يكن عالما بشئ فثبت أن العلوم كلها عند النفس والدماغ = (*) ________________________________________