[ 363 ] فيه تنفير عن تمنى الدنيا والرضا بحصولها وعن الهم بفواتهم ودلالة على أن الزهد ليس فقد هابل عدم تعلق القلب بها بحيث لا يفرح بحصولها، ولا يحزن بفواتها، وبعبارة اخرى يتركها ويغتم بوجودها لعلمه بأنها من أعظم أسباب الغفلة، ونقل السيد رضى الدين عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال " الزهد بين كلمتين قال الله تعالى " لكيلا تأسوا (أي تحزنوا) على ما فاتكم (من عروض الدنيا) ولا تفرحوا بما آتيكم " ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بما أتي فقد أخذ الزهد بطرفيه، وقيل الزهد تحويل القلب من الأسباب إلى رب الأسباب ومن إتصف بهذين الوصفين فقد حول قلبه إذ الميلان فرع الفرح والمحبة. ومن كلامه (عليه السلام) لئن ساءني دهر غرمت بصيرة * فكل بلاء لا يدوم يسير وإن سرني لم إبتهج بسروره * فكل سرور لا يدوم حقير ومن رأى بعين اليقين هذا المعنى فقد جذب إليه اهدا به وقد عرفت أن للزهد شعبا كثيرة فمراده (عليه السلام) أن هذين الوصفين يصيران المتصف بها متصفا بأوصاف آخر. * الأصل 5 - وبهذا الإسناد، عن المنقري، عن سفيان بن عيينة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وهو يقول: كل قلب فيه شك أو شرك فهو شاقط، وإنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرق قلوبهم للاخرة. * الشرح قوله (كل قلب فيه شك أو شرك فهو ساقط) كان المراد أن كل قلب متعلق بالدنيا وإن فاتته فيه شك في أمر الاخرة إذا ليقين يقتضى رفض الدنيا، أو شرك بالله لمتابعة الهوى، والترديد على سبيل منع الخلو فهو ساقط عن درجة المحبة والسعادة والزهد وبين ذلك بقوله (وإنما أرادوا بالزهذ في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة) يعني أن الغرض من الزهد في الدنيا ورفضها تخليص القلب وتطهيره عن حب الدنيا وعن ميله إليها وجعله متوجها إلى أمر الآخرة وما ينفع فيها خالصا له بدوام الذكر والطاعة فمن لم يتحقق فيه هذا الغرض فاتته الدنيا فهو ليس بزاهد فيها وتارك لها بل هو من أهلها فيه شك في أمر الاخرة أو شرك. وأعلم أن تفرغ القلب لأمر الاخرة يبذر السعادة والذكر فيه والطاعة في جميع الجوارح وهي تزيد وتنمو حتى يصير القلب نورا إلهيا يشاهد جلال الله وعظمته وأسراره الغيبية ألتي قلما يقدر على تحملها ثم يتشرف بمقام الانس ثم بمقام المحبة ثم بمقام الرضا ثم بمقام الفناء في الله وهو هذا المقام لا يرى في الوجود إلا هو وإلى هذه المراتب أشار جل شأنه بقوله * (ومن يرد ثواب الاخرة نزد له في حرثه " بخلاف القلب الملوث بشهوات الدنيا فإن الذكر والطاعة لوتحققا لا يؤثر أن فيه بل يفسدان كالبذر في أرض السبخة والطعام في المعدة ________________________________________