[ 360 ] الثلاثة الأخيرة حصل سبعة وعشرون نوعا متفاوت المراتب والدرجات ويندرج تحت كل نوع أشخاص وجزئيات غير محصورة والله ولى التوفيق، وقد أشار (عليه السلام) إلى بعض آثار الزهد ولوازمه بقوله (أثبت الله الحكمة في قلبه) حتى يصير قلبه نورا إلهيا وضوءا ربانيا ينقطع عن التعلقات الناسوتية لمشاهدة جمال إسرار الغيبية اللاهوتية. (وإنطق بها لسانه) حتى يقول الحق ويشرد إليه ويصمت عن الباطل ويخوف عليه. (وبصرة عيوب الدنيا داءها ودواءها) أما عيوبها فهي إنها دار بالبلاء محفوقة وبالغدر معروفة وبالفناء موصوفة لا تدوم أحوالها ولا يسلم من الافات نزالها أحوالها مختلفة وأوضاعها مبتدلة ونعمها منصرمة، العيش فيها مذموم والأمان فيها معدوم والطالب لها مغموم وأهلها إعراض مستهدفة ترميم بسهامها وتفنيهم بحمامها، وأما داءها فهو الغفلة عن الحضرة الربوبية والإستحقاق للعقوبة الدنيوية والاخروية، وأما دواؤها فهو تنزيه النفس عن الميل إلى زهراتها والرغبة في قنياتها والعبرة بأحوال الماضين والإتعاظ بأوضاع السابقين حيث كانوا أطول أعمارا وأعمر ديارا وأبعد آثارا وأشد قوة وأكثر أعوانا فقد صارت أصواتهم هامدة ورياحهم راكدة وأجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافيه فإستبدلوا بالقصور المشيدة والنمارق الممهدة الصخور والأحجار المندة والقبور الاصقة اللاطئة والعجب إن المؤمن يعلم أن الأمراض الروحانية ليست بأهون من الأمراض الجسدانية وهو يسعى في دفع هذه الأمراض بقدر الإمكان ويغفل عن دفع الاولى ويضعها في زاوية النسيان، ومن الله التوفيق والتكلان (وأخرجه من الدنيا سالما) (1) ________________________________________ = ينظر بها بعد سلب العين الظاهرة وليس هذا ممتنعا في قدرته تعالى وليس إدراك الإنسان بعد الموت منحصرا في المطالعة خيالاته المحفوظة في ذهنه. (ش) 1 - قوله " وأخرجه من الدنيا سالما " يدل الحديث بسياقة على أن السلامة عند الخروج من الدنيا إنما هي بسبب بصيرة الرجل على عيوب الدنيا وثبات الحكمة في عقله وأن العقل لا يكمل إلا بالزهد والحكمة لا تثبت إلا بالعقل وليس خلق العقل لعمران الدنيا وإلا لم يكن يكمل بالزهد، بل كان يكمل بالحرص كما يكمل الجزبزة والمكر به. ويهمنا هنا بيان شيئين الأول أن العقل أو القلب أو النفس الناطقة - وكل ما شئت فسمه - موجود جوهري مستقل عند البدن بنفسه وليس من أجزاء هذا الدنيا وإعراضها بل هو من عالم آخر ومن سنخ الملائكة المدبرة والعقول القدسية العالمة بجميع الأشياء والمطلعة على الغيوب ألتي ترتبط نفوس الإنسان معها في الرؤيا الصادقة على ما سبق. والثاني أن الموجود الجوهري باق ببقاء علته ولا ينفي أبدا إلا أن ينفي علته وليس كالإعراض والتركيبات ألتي تنفي مع بقاء علتها الفاعلة بتلاشي أجزائها وتفكك عناصرها - قال المحقق الطوسي في التجريد: والسمع دل عليه يعني على العدم. وقال العلامة - (رحمهم الله). في شرحه يدل على وقوع العدم السمع وهو قوله تعالى " هو الأول والآخر " وقوله تعالى " كل شئ هالك إلا وجهه " وقال تعالى " كل من عليها فان " وقد وقع الإجماع على الفناء وإنما الخلاف في كيفيته على ما سيأتي، وقال المحقق = (*) ________________________________________