[ 358 ] الفريقين " فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحيوة الدنيا ياليت لنا مثل ما اوتي قارون أنه لذوحظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون " فانظر كيف نسب الرغبة في الدنيا على الآخرة " ويفهم منه وصف المؤمنين وهو أنهم يستحبون الحياة الاخرة على الحيوة الدنيا وقال في وصف المؤمنين * (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام " وقد سئله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن معنى هذا الشرح فقال " أن النور إذا دخل القلب إنشرح له الصدر وإنفتح، فقيل يارسول الله هل لذلك علامة ؟ قال نعم (1) والإنابة إلى دار الخلود والإستعداد للموت قبل نزوله " فإنظر كيف جعل الزهد وهو (التجافي عن دار الغرور شرط الإسلام وعلامة نور القلب وإنشراح الصدر. ثم الكلام هنا في نفس الزهد وفيما يرغب عنه وفيما يرغب فيه أما الأول فدرجاته ثلاثة: الدرجة السفلى أن يزهد في الدنيا ويتركها وهو له مشقة ونفسه إليها مائلة ولكن يجاهدها ويمنعها عن التوجه إليها وهذا شبيه بامتزهد بل سماه بعض أهل التحقيق به، والدرجة الوسطى أن يتركها طوعا بلا مشقة لإستحقاره إياها بالإضافة إلى ما طمع فيه كمن يترك درهما لدارهم كثيرة فإنه لا يشق عليه ذلك وإن إحتاج إلى إنتظار ما ولكن يرى هذا زهده ويظن أنه ترك شيئا له قدر لأجل ما ________________________________________ 1 - قوله " هل لذلك علامة قال نعم " أهل الدنيا لا يهتمون إلا بها وهم غافلون عن الاخرة وجميع أفعالهم وحركاتهم وعلومهم وهممهم وكل شئ منهم مصروفة إلى الدنيا فيعتنون بسلامة بدنهم ولذات أجسامهم أكثر من الإعتناء بأخلاقهم وملكاتهم ويختارون من العلوم ما يستفاد منها في الحياة الدنيا كما يتعلق بالطب والزراعة والتجارة والصنائع الدنيوية لا الفقة والأخلاق والإعتقادات في المبدء والمعاد والسعيد عندهم من تهيأ له وسائل العيش لامن تخلق بالأخلاق الفاظلة ومن حصل على جاه عريض وشهرة فائقة أشرف عندهم من الخامل المستريح من الناس المأمونين من أذاه والرجل الخير من سهل للناس وسائل عيشهم الدنيوي كمخترعي الصنائع وعلامة أهل الاخرة كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " التجافي عن الدار الغرور " والتباعد عما يهتم أهل الدنيا به ولما كان الحس من النعم ألتي أعطاها الله الإنسان لمصلحة دنياه وهو متعلق بجوارحه البدنية كان أهم عند هؤلاء من العقل مع أن الحواس كلها وما يتعلق بها من دار الغرور، أما الحواس الظاهرة فمعلوم أنها قوي في جسم تتفرق وتتلاشي وأما الحواس الباطنة فمنها الحس المشترك وهو تابع للحواس الظاهرة، وأما الواهمة فهي قوة تحصل بها للحيوان مصاديق معادن غير محسوسة بالحواس الظاهرة فيحب أولاده ويتنفر من عدوه، ومثل ذلك من حالات تعرض في بدن الحيوان الذي له عصب ودماغ، وأما الحافظة فإعتياد حاصل للأعصاب بكثرة الممارسة كاعتياد اللسان قراءة قصيدة. أو آية حفظها إذا شرع فيها جرى على لسانه إلى آخرها وكإعتياد الكتابة فإنها ملكة في أعصاب اليد تحصل بالتمرين فيكتب الخط الحسن بأنواعه وكذلك تحصل مثل هذا الإعتياد في الدماغ فيجدد صورة سبقت له مرة أو مرات وهو معنى التذكر. والمتخلية كذلك جسمانية إذا يعرض لها بكثرة إستعمالها لها الكلال وليس عروض الكلال إلا للجسم وإنما يبقى العق لعدم تعلقه بجسم وهو متجاف عن دار الغرور مع كل ما يتفرع عليه. (ش) (*) ________________________________________