[ 289 ] الكريمة والروايات الصحيحة وهي أكثر من أن تحصى، والبخل وعدم بذل المال سيما فضله في وجوه الفقراء والأقرباء من صفات الجاهل ومبدؤه حب الدنيا والرغبة عن الآخرة وخوف الفقر وسوء الظن بالله وبمواعيده الصادقة وبعده عن التوكل والزهد والشفقة والرقة والرحمة والتعطف لغلظة طبعه ورداءة نفسه وسوء خلقه وشرارة ذاته، فيبعثه ذلك على استمساك المال عن نفسه فضلا عن غيره فلذا قال سيد الوصيين (عليه السلام): " عجبت للبخيل الذي يستعجل الفقر الذي منه هرب ويفوته الغنى الذي إياه طلب فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حسب الاغنياء " (1) وسبب التعجب أنه اختار البخل خوفا من الفقر وضنك العيش يوما ما مع أنه يدخل في الفقر وضنك العيش باعتبار أنه لا ينفق على نفسه ولا على عياله ولا على غيره وبالجملة البخل عار في نفسه جامع لمساوي العيوب وهو زمام يقاد به إلى كل سوء وكفاك شاهدا قوله تعالى في قصة قارون وأمثاله وقوله تعالى * (ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه) * وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) " إذا لم يكن لله في عبد حاجة ابتلاه بالبخل " (2) وامثال ذلك من الآيات والروايات أكثر من أن تحصى (ولا تجتمع هذه الخصال كلها من أجاد العقل) التي بها يقاتل الجهل وجنوده في ملك الأبدان وساحة القلوب وهذه الخصال من حيث أن بها يتحقق التناصل والتسابق إلى الخيرات تسمى خصالا، ومن حيث عروضها تسمى صفات، ومن حيث عدم رسوخها بعد تسمى أحوالا، ومن حيث رسوخها بالتمرن والتدرب تسمى أخلاقا وملكات ومن حيث إطاعتها للعقل وعدم خروجها عن حكمه تسمى خوادم. ومن حيث كونها محفوظة بحفظ العقل وحراسته عن الآفات تسمى رعايا، وما ورد في بعض الأخبار من الأمر بمراعاة الراعي لرعيته يندرج فيها هذا أيضا ومن حيث أنها أعوان للعقل في محاربته للجهل تسمى أجنادا (إلا في نبي أو وصي نبي أو مؤمن قد امتحن الله قلبه للايمان) أي اختبره بالشدائد والمحن والرياضات والفتن لتحقق الايمان (3) له أو ليتحقق له الايمان الكامل أو صقله وجلاه من كدر الأرجاس وطهره ونقاه من دنس الأخباث من محنت البئر محنا إذا أخرجت ترابها وطينها (وأما ساير ذلك) المذكور (من موالينا) جمع الموالي وهو ________________________________________ 1 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 126. 2 - الكافي كتاب الزكاة باب البخل والشح تحت رقم 3. 3 - يقول أهل العصر ممن له استهتار باصحاب الطبايع إن عبادة رب لا يرى ينافي الأمر بمتابعة العقل وتعظيم شأنه وهكذا كلام شيطاني نقل من الملاحدة وأصحاب الدهر وأجاب بعضهم بأن الادراك بالوجدان كالادراك بالعيان. والاعتراض ساقط من أصله إذ الانسان العاقل إذا قامت الادلة على وجود واجب الوجود عبده وإن لم يره ولم يجده ولم يعرف حقيقته وأما أن كل موجود محسوس فمن أغلاط الواهمة سيأتي إبطاله في مباحث التوحيد إن شاء الله. (ش) (*) ________________________________________