[ 333 ] أيضا روى مسلم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال " الله رفيق يحب الرفق، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف " قال القرطبي: الرفيق هو الكثير الرفق والرفق يجئ بمعنى التسهيل وهو ضد العنف والتشديد والتعصيب وبمعنى الارفاق وهو اعطاء ما يرتفق به وبمعنى التأني وعدم العجلة وصحت نسبة هذه المعاني إلى الله سبحانه لأنه المسهل والمعطى وغيره المعجل في عقوبة العصاة. اقول للرفق معنى آخر يصح له تعالى أيضا وهو أحكام العمل، قال في المصباح رفقت العمل من باب قتل أحكمته ومعنى يحب الرفق أنه يأمر به ويحض عليه ويريد وصدوره منهم ويثيبهم له ولما أشار إجمالا إلى أنه تعالى رفيق أشار إلى بعض جزئيات رفقه. (فقال فمن رفقه بعباده تسليله اضغانهم) السل والتسليل اخراج الشئ برفق تقول سللت السيف إذا أخرجته من غمده، والضغن الحقد والعداوة والبغضاء، تقول ضغن صدره ضغنا من باب تعب أي حقد، والاسم الضغن والجمع الاضغان مثل حمل وأحمال، ولعل المراد بتسليلها أخراجها بالرفق والتدريج عن قلبوبهم وتوفيقهم على دفعها باستعمال أسبابه وعدم تكليفهم به دفعة فإن دفعها دفعة صعب عليهم. (ومضادتهم لهواهم وقلوبهم) (1) والأسف على فوات الدنيا والغضب والغيظط والغرة وغيرها وبين القلوب العاقلة المقتضية للأخلاق الفاضلة مضادة ترديد كل واحدة الغلبة على الاخرى والله سبحانه لرفقه بهم أمرهم برفعها وإخراجها على سبيل التدريج لا دفعة لئلا يصعف ذلك عليهم. (ومن رفقه بهم أنه يدعهم على الأمر يريد إزالتهم عنه رفقا بهم لكيلا يلقى عليهم عرى الإيمان ومثاقلته جملة واحدة فيضعفوا فإذا أراد ذلك نسخ أمر بالآخر فصار منسوخا) عروة الكوز إذنه والجمع عرى مثل مدية ومدى وعروة الإيمان أحكامه وآثاره وخواصه على التشبيه بالعروة التي يتمسك بها ويستوثق فإن العبد باحكام الإيمان يحمله كما أن شارب الماء يحمل الكوز بعروته. ________________________________________ = للعبادات. (ش) 1 - قوله " ومضادتهم لهواهم وقلوبهم " الهوى هو القوة الواهمة وما يتفرع عليها كالشهوة والغضب والطيش، والقلب القوة العاقلة وما ينشعب منها كالحلم والرفق والتثبت والتؤدة وتلم يجعل الواهمة في الإنسان إلا لمصلحته ولو لم يكن الشهوة وحب المنافع لم يطلب الانسان الطعام والنكاح ولم يتحمل مشقة المكاسب وفسد العالم وخربت البلاد وزال العمران ولو لم يكن العقل واسترسل الناس في طلب شهواتهم واتبعوا عواطفهم مطلقا لم يترتب الغرض المقصود من خلقة الإنسان بل كانوا كسائر الحيوانات ونوعا من أنواعها فرفق الله بهم وجعل فيهم الهوى والقلب وسلط القلب أي العقل والقوة الناطقة على الهوى أي الوهم ليصلحه بالرفق والمداراة ولم ينزع العقل ولا الواهم عنهم حتى يقهرهم على الخير والشر رفقا بهم. (ش) (*) ________________________________________