[ 286 ] إلى الدرجة العليا، ولا شوق العبادة عن موضعه إلى المرتبة القصوى، فيرضى - وهو كسلان - بالدون من الحياة الدنيا. (والفرح وضده الحزن) الفرح السرور يقال: فرح به أي سر، وأفرحه وفرحه تفريحا إذا سره، والفرح أيضا البطر والأسر وهذا ليس بمراد هنا لأنه من صفات الجاهل لقوله تعالى * (إن الله لا يحب الفرحين) * والحزن خلاف السرور يقال حزن الرجل بالكسر فهو حزن وحزين وأحزنه غيره وحزنه، وهذه الفقرة تحمل معنيين الأول أن يكون الفرح كناية عن البشاشة وطلاقة الوجه للاخوان، والحزن كناية عن الكلوح والعبوس، والثاني - وهو الأظهر - أن العاقل لكونه عارفا بالمعارف الالهية وعالما بالحكم الربانية، ومستشرقا لأنوار الحق تابعا لهداه ومقبلا على عبادة ربه معرضا عما سواه، مسرور مبتهج فرح أبدا في الدنيا والآخرة بما آتاه الله من الفضيلتين العلمية والعملية إذ لا لذه أعظم منهما ولو نظر إلى ما يوجب الشرور في دار الغرور والتفت التفاتا ما إلى خسايس هذه الامور بسبب شيطان قاده إليها أو ميل نفس حرضه عليها أخذت بضبعيه الأنوار العقلية (1) وتوقظه من رقدة الغفلة في المراقد الطبيعية، وحذيته العناية الالهية من ورطة الهلكة الأبدية وأيدته على إبليس وجنوده فيجتهد في مقاومته ويتخلص من مصائده ويترصد لدفع حيله ويثبت في رفع مكائده، فيحصل بذلك ابتهاج وسرور أيضا لغلبته على عدوه، وأما الجاهل الفاقد لهاتين الفضيلتين والمقهور في أسر ذلك العدو فهو حزين في الدارين إذ لا ألم أعظم من ذلك في الدنيا والآخرة أما في الآخرة فظاهر لأن الآلام الاخروية التي توجب الهم والغم والحزن عند مشاهدة السلاسل والأغلال ومعاينة الشدايد والأهوال، ظاهرة غير محتاجة إلى البيان. وأما في الدنيا فلأن الاعراض عنه سبحانه والاشتغال بما سواه كما هو وصف الجاهل ألم نفساني ومرض روحاني يوجب هما وغما وحزنا في نفس الأمر ولا يقدح فيه غفلته وتوهمه أن ذلك أنفع له كما أن السم [ ألم ] مهلك وإن توهم شاربه أنه أنفع له على أنه قد يصدق على مقتضى عقله الفطري بأن الأولى به والأنفع له هو متاع الآخرة سيما عند معاينة الموت فيحصل له ألم شديد وحزن طويل ولكن لا ينفعه ذلك ما بقي على حاله أن الخائن المعذب بسبب الخيانة يصدق بأنه كان الأولى به ترك الخيانة ويحزن ويتأسف ولا ينفعه ذلك. (والالفة وضدها الفرقة) الألفة توافق الآراء والعقائد في تدبير المعاش والمعاد وهي فضيلة مندرجة تحت العدالة التي هي الاستقامة في القوى الفكرية والغضبية والشهوية والمتوقفة على كثير ________________________________________ 1 - الانوار العقلية هم الملائكة الموكلون بتسديد عباد الله وهدايتهم إلى التقوى والاخذ بالضبعين كناية عن هذا التسديد والتأييد والضبع تحت العضد (ش). (*) ________________________________________