[ 285 ] المعلوم والمقتضى مقيدا بالدعاء ويتأكد ذلك بقوله تعالى: * (ادعوني أستجب لكم) * فذلك لا يترك الدعاء في البأساء والضراء، على أن لنا أن نقول الدعاء لا يخلو من فائدة عظيمة ومنفعة جليلة لأنه إن كان من شرائط وجود المطالب وأسبابه ففائدته ظاهرة، وإن لم يكن كذلك سواء كان المطلوب مصلحة في نفسه من غير شرطية الدعاء وسببيته أو لم يكن مصلحة أصلا كان الدعاء عبادة مستقلة بل هو من أفضل العبادات كما دل عليه الروايات المعتبرة فيورث ثوابا جزيلا وأجرا جميلا في الآخرة، والجواب عن الأخير أن العبد إذا دعا كان دعاؤه من جملة القضاء فكيف يكون منافيا له. والحاصل أن المنافي للقضاء ما لا يجامعه والقضاء إذا تعلق بشئ مقيد بشرط أو سبب لا يكون ذلك السبب والشرط منافيين له، وما روي " أن الدعاء يرد القضاء وقد أبرم إبراما " (1) فمعناه - والله أعلم - أن الدعاء يوجب اختيار أحد الفردين من القضاء التخييري مثلا إذا تعلق القضاء بموت هذا المريض بشرط عدم طلب صحته وببقائه بشرط طلبها كان هذا القضاء متعلقا بأمرين متضادين مشروطين بشرطين متقابلين واختيار أحدهما موكول إلى العبد فأيهما اختار فقد رضي بالقضاء، وإذا عرفت أن الدعاء من أشرف مقامات السالكين عرفت أن ضده وهو الاستنكاف يعني الأنفة والكراهة والترفع والعدول عن الدعاء الموجب للبعد عن الحق من أخس صفات الجاهلين والهالكين قال الله تعالى * (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) * والعبادة هي الدعاء. (والنشاط وضده الكسل) النشاط في العبادة من كمال المراتب الانسانية وهو ينبعث من عدم النقص اللاحق للنفس بسبب كلال بعض القوى الطبيعية عن أفعالها وعدم وقوف الأعضاء وفتورها عن أعمالها بسبب تحلل الروح وضعفه ورجوع إلى الاستراحة ولا شبهة في أن ذلك من صفات العاقل الذي فك عنه بالهمة الصادقة قيود الأغلال البشرية ودفع عنه بالنية الخالصة أو زار الأثقال البدنية، وأنار بنور عقله أعضاءه الظاهرة حتى يرى شخصه في هذا العالم وروحه لخفته ونورانيته في عالم الروحانيين، يطير مع الملائكة المقربين، فله من النشاط في العبادة ما لا يدخله سامة من جد ودؤوب، ولا إعياء من كد ولغوب، ولا نقصان من تطرق قصور، ولا استحسار من طريان فتور كما قال سبحانه في وصف الملائكة * (وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار ولا يفترون) * والكسل يعني التثاقل في العبادة من صفات الجاهل والمحبوس في سجن الطبيعة البشرية والمغلول بأغلال لواحق القوة الشهوية والمصفود بصفاد عوارض القوى البدنية فهو ثقيل لا يحركه ريح النشاط عن مركزه ________________________________________ 1 - الكافي كتاب الدعاء باب (أن الدعاء يرد البلاء والقضاء). (*) ________________________________________