[ 284 ] الأعمال إلا ما هو خالص من المفاسد مقرون مع الشرايط واقع في أوقاتها، وأن المؤمنين كنفس واحدة، وهو لكماله في العقل بمنزلة راعيهم وحافظهم، فلا يغفل عن المحارسة ولا يغمض من المراقبة أبدا بخلاف الجاهل فانه دائما غافل عن الحراس، بعيد عن الحفاظ مستحقر لذلك العدو، غير مبال به مع كمال قوته وكثرة مكيدته، مستخف بالطاعات متهاون بالعبادات مضيع للأوقات حتى يرده الشياطين إلى أسفل السافلين ألا ذلك هو الخسران المبين. (والدعاء وضده الاستنكاف) الدعاء في اللغة النداء والصيحة تقول دعوت فلانا إذا ناديته وصحت به، وفي العرف طلب الرحمة والفيض من الله سبحانه على وجه الخضوع والاستكانة وهو من أجل مقامات الموحدين وأفضل درجات السالكين لكونه مشعرا بالذل والانكسار، وإقرارا بصفة العجز والافتقار، ومظهرا لتعلق ربقة الحاجة بربقة الامكان، واعترافا بانغماس الممكن في غمرة المسكنة والنقصان، وقد وردت الآيات المتكاثرة والروايات المتواترة من طريقة الخاصة والعامة في الترغيب فيه والحث عليه حتى صار شرعه من ضروريات الدين وهو من شعار الصالحين والصديقين وآداب الأنبياء والمرسلين فإن حكاية آدم ونوح وذي النون وموسى وأيوب وداود وسليمان وعيسى وغيرهم (عليهم السلام) ودعاء خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) وسيد الوصيين وأولاده الطاهرين (عليهم السلام) وكمال تضرعهم وخشوعهم في القرآن العظيم مذكورة وفي كتب السير مسطورة وفي دفاتر المتقدمين والمتأخرين مزبورة وفي ألسنة الخواص والعوام مشهورة بحيث لا مساغ للرد والانكار ولا مجال للعناد والاستنكار، وما خالج بعض الأذهان من أن المطلوب بالدعاء إما أن يكون معلوم الوقوع لله تعالى أو معلوم اللاوقوع وعلى التقديرين لا فائدة لأن الأول واجب والثاني ممتنع، وبعبارة اخرى إما أن يكون وقوعه مصلحة للداعي أو لا يكون فعلى الأول يقع وإن لم يطلب لأن الله يفعل ما هو صالح العباد قطعا، وعلى الثاني لا يقع وإن طلب فطلبه على التقديرين عبث، وأيضا أعظم مقامات العارفين الرضا بالقضاء والدعاء ينافي ذلك، فالواجب عن الأولين أن كل كائن وفاسد موقوف في كونه وفساده على شرائط وأسباب كما علم من موضعه ودل عليه أيضا ما روي من أن الله تعالى يأبى إلا أن يجري الأشياء بأسبابها (1). إذا كان كذلك فلعل الدعاء من شرائط وجود المطلوب ومصالحه كما أن شرب الدواء من شرائط صحة المريض وأسبابه فالمطلوب مع الدعاء معلوم الوقوع ومصلحة وبدونه معلوم اللاوقوع وغير مصلحة، وبالجملة هذا العالم عالم الأسباب والأشياء تجري بأسبابها والعبد لعدم كونه عالما بكيفية علم الله تعالى بالأشياء وقضائه إياها يكون دائما بين الخوف والرجاء ويجوز كون ________________________________________ 1 - الكافي كتاب الحجة باب معرفة الإمام والرد إليه تحت رقم 7. (*) ________________________________________