[ 283 ] البركات وفي الآخرة برفع الدرجات والشاهد العدل على ذلك قوله تعالى: * (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا) * وقد يرفع الله تعالى باستغفار مؤمن العذاب الدنيوي عن جماعة من العصاة كما روي " أن الله تعالى يقول: إني لأهم بأهل الأرض عذابا فإذا نظرت إلى عمار بيوتي وإلى المتحابين والمستغفرين بالأسحار صرفته عنهم " (1) ثم الاستغفار لا يتحقق معناه بمجرد هذا اللفظ بل لابد في تحققه من امور لا يتلقاها إلا الصابرون والمجاهدون كما يرشد إليها قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لقايل قال بحضرته أستغفر الله فقال (عليه السلام) " ثكلتك امك أتدري ما الاستغفار إن الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان أولها: الندم على ما مضى، والثاني: العزم على ترك العود أبدا، والثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس وليس عليك تبعة، والرابع: أن تعمد إلى كل فريضة ضيعتها فتؤدي حقها والخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد، والسادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول أستغفر الله " (2) وإذا عرفت هذا عرفت أن الاستغفار من جنود العقل وأعوانه في العود إلى الحق والقرب منه، والاغترار يعني الغفلة عن الحق والجرأة عليه والانخداع من النفس والشيطان الموجب للاصرار على المعاصي والاستمرار على الطغيان من جنود الجهل وأعوانه في البعد عنه والاستحقاق بمزيد الخذلان وأنا أستغفر الله وأقول كما قال الشاعر: لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه * من جود كفيك ما علمتني الطلبا أراد بذلك قوله تعالى * (استغفروا ربكم إنه كان غفارا) *. (والمحافظة وضدها التهاون) الحفظ الحراسة، والتحفظ التيقظ، والمحافظة المراقبة، والاستيهان والتهاون الاستحقار والاستخفاف، يقال: استهان به وتهاون به إذا استحقره واستحفظه ولم يبال، أراد أن حراسة النفس وتيقظها ومراقبتها في السير إلى الله سبحانه أو حراسة ما فعله من الصالحات وما أتى به من الخيرات ومراقبتها من أن تتطرق إليها الشبهات المبطلة والعقائد الفاسدة كالرياء والسمعة ونحوهما أو حراسة الطاعات والعبادات بالاتيان بها في أوقاتها مع شرايطها أو حراسة المؤمنين ومراقبة أحوالهم ومحافظة حقوقهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصايص العاقل لأنه يعلم بنور عقله أن له في كل قدم يرفعها لله تعالى قرينا من الشيطان مترصدا لإغوائه وفي كل منزل عدوا من الغيلان منتظرا لإضلاله وإن الله سبحانه لا يقبل من ________________________________________ 1 - أخرجه البيهقي في شعب الايمان من حديث أنس بن مالك بسند ضعيف. 2 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 417. (*) ________________________________________