[ 282 ] أضل راحلته ومزاده في ليلة ظلماء فوجدها فالله أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها) * (1) فانظر أيها اللبيب إلى هذا الحديث الشريف وعلو مضمونه تجده كافيا في الترغيب إلى التوبة والتحريص عليها لو لم يكن غيره ولكن الآيات الكريمة والروايات الشريفة في باب التوبة وبيان فضلها أكثر من أن تحصى وهي من صفات العاقل وأجناده لأن العاقل قصده لقاء الله تعالى دائما وهمه النزول في ساحة عزه وهو يجوز ذلك في كل آن ويرقبه في كل زمان فأكبر مقاصده وأعظم مطالبه أن يطهر نفسه بالتوبة والندامة على ما يوجب البعد عنه من رجس الآثام قبل انتهاء وقت التكليف بالموت وانقضاء مدة العمل بالفوت بخلاف الجاهل فإن وصفه الاصرار على الذنوب والمعاصي والاقامة على الآثام والمناهي إذ هو لعميان بصيرته وفقدان سريرته ونقصان عقيدته محجوب عن درك الآخرة وحالاتها وعن نيل عناية الحق ومقاماتها فيظن أن غاية خلق الإنسان هي وصوله إلى هذه اللذات الحاضرة والمنافع الداثرة فيستمر عليها ويستبشر بها، وهو من الغافلين أو يظن بالآخرة ظنا ضعيفا يستعد به لقبول ما يتلو عليه الشياطين من تسويف التوبة غدا بعد غد إلى أن يموت وهو من الخاسرين، ثم الإصرار بالذنب أعم من فعله على الاستمرار وفعله مرة مع عدم عزمه بالتوبة والاستغفار وما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله الله عزوجل * (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) * قال " الإصرار هو أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بتوبة فذلك الاصرار " (2) يحتمل الأمرين والظاهر منه هو الثاني ومن فسر الاصرار بتكرار ذنب واحد أو بإيجاد حقيقة الذنب في ضمن أنواع مختلفة من الذنوب بحيث يشعر بقلة المبالاة فقد غفل عن تحقق معنى الاصرار في ذنب واحد مع عدم التوبة. (والاستغفار وضده الاغترار) الاستغفار من الغفر وهو الستر، والاغترار من الغرة بالكسر وهي الغفلة والجرأة، واعلم أن والي البدن كثيرا ما يطغى في الإمارة ويخون في الولاية ويعصي السلطان الأعظم في إرادته فيستعمل الجوارح الظاهرة والباطنة كلها أو بعضها في غير طاعته ثم إنه قد يستشعر بتقصيره وعصيانه وخيانته وطغيانه فيخاف أن يعاقب في الدنيا والدين وينكشف مساويه عند المقربين فيقبل بالطوع والاختيار ويتمسك بذيل الاقالة والاستغفار طالبا لغفران الذنوب وسترها على الكرام لئلا يفتضح بها عندهم يوم القيامة، ولمحوها باللطف العظيم والكرم العميم لئلا يعذب بسلاسل وأغلال في الجحيم، ويمحوها من لوح نفسه وصفحة الجنان لئلا يخجل بتذكرها بعد دخول الجنة وروضة الجنان ومستكملا لاستعداد الفوز بالرحمة في الدنيا بإنزال ________________________________________ 1 - الكافي كتاب الايمان والكفر باب التوبة تحت رقم 8. 2 - الكافي كتاب الايمان والكفر باب الاصرار على الذنب تحت رقم 2. (*) ________________________________________