[ 280 ] هنا المعنى المصدري أعني اتباع المهويات الذميمة واقتفاء المشتهيات القبيحة. ووجه كون الحكمة من جنود العقل وأعوانه والهوى من جنود الجهل وأنصاره ظاهر إذ بالحكمة (1) يتنور قلب العاقل حتى يفهم المشروعات والمحظورات والمستحيلات ويبصر المقاصد الشرعية ويهتدي إلى وجوه المصالح الدنيوية والاخروية ويحصل له بذلك من القول والفعل والعقل حالة وثيقة وملكة شريفة لا يرد عليها الانتقاض ولا يعتريه الانتقاص (2) إلى أن يرد في ساحة الحق والجاهل لما كان قلبه مظلما بحيث لا يجد إلى معارف الحق دليلا ولا إلى منازل القدس سبيلا إذ اتبع الهوى وارتكب المحظورات واستمر على المحرمات وانهمك في المشتهيات زادت ظلمته وغلبت كدرته فهو في بيداء الجهالة طاير، وفي ظلمات بعضها فوق بعض حاير، حتى يطلع صبح يوم القيامة عن افق الموت وأي يوم * (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) *. (والوقار وضده الخفة) الوقار بالفتح الرزانة، والمتانة، وقد وقر الرجل وقارا فهو وقور أي رزين متين إذا كانت نفسه مطمئنة في تحصيل المطالب مستقيمة في الوصول إلى المآرب بحيث لا يحركها الغضب ولا يهزه المكاره بسهولة ولا يتجاوز عن الحد اللايق به عقلا وشرعا وهو من جنود العقل في تصاعده من المنازل السافلة وعروجه إلى المقامات العالية في الدنيا والآخرة لأن عدم انفعال النفس بورود المكاره وعدم اضطرابها بنزول المصائب وعدم تزلزلها بمشاهدة النوائب راحة حاضرة ومنفعة ظاهرة والعفو عن جرائم الناس والصفح عنها وعدم الغلظة عليهم بتسكين ثوران الغضب واطفاء نيران الغيظ والتعب وترك ما يوجب الفرقة بين التصاغر والتشاجر والتقاطع والتخاذل والتنازع والتشاتم والطيش والعجلة من مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال ومحامد الامور التي يوصف بها أهل المجد والشرف والنجدة والرزانة، ويوجب الرفعة عند الخالق والخلائق، ويجلب محبتهم ومودتهم. والخفة وهي الطيش والعجلة والجزع لفوات قليل والفرح لطلب كثير ________________________________________ 1 - يعني به علم الحكمة الإلهية فإن صاحب هذا العلم يعرف المشروع والمحظ بالحكمة العملية عرفانا جيدا مأخوذا من وجهه ودليله ويعرف المعقول من المستحيل بالحكمة النظرية مثل أن يد الله وعين الله بالمعنى الجسماني محال وأنه ليس في جهة ومكان وأن الكلام النفساني محال وأنه لا يجوز القبيح عليه تعالى كتقديم المفضول على الفاضل ويبصر المقاصد الشرعية أي يعرفها على بصيرة مثل أن الغرض من العبادة تهذيب النفس فيجتنب الرياء (ش). 2 - لأنه علم كل مسألة اعتقادية بدليل لا تعتريه شبهة فاستقام بخلاف أهل التقليد والجهال وربما ترى في كلام أصحاب الحديث أن إيمان الجهال أتقن وأحكم من كثير من العلماء وهو بمعزل عن الصواب مردود على قائله. (ش) (*) ________________________________________