[ 279 ] التوسط ومن صفات الجاهل صرف العمر في تحصيل ما لا يحتاج إليه من زهرات الدنيا وزخارفها الموجبة للخسران وفي استكثار الأموال والأسباب للغلبة على غيره من أبناء الزمان وذلك يوجب فرار طبعه السقيم عن إدراك معالم الدين حتى يأتيه الموت بغتة وهو من الهالكين. (والحكمة وضدها الهوى) الحكمة ما يمنع من الجهل والحكيم من منعه عقله منه اخذت من حكمة الدابة وهي حديدة اللجام لأنها تمنع الدابة عن الجموح والمراد بها العلم والعمل النافعين في الآخرة واتباع ما هو الأصلح والأنفع فيها لا ما اشتهر من العلم بحقائق الأشياء والتصديق بأحوالها والعمل بما يقصد به العمل إذ هو شامل للحكمة النظرية بأقسامها أعني علم ما بعد الطبيعة وعلم الرياضي وعلم الطبيعي وللحكمة العملية بأقسامها أعني تهذيب الاخلاق وتدبير المنازل وسياسات المدن والظاهر أنه لا مدخل لاصول الرياضي في الدين والشارع لا يرغب فيها، وهي علم الهندسة الباحث عن المقادير وأحكامها ولو احقها وعلم الحساب الباحث عن أحوال العدد وخواصه، وعلم النجوم الباحث عن اختلاف أوضاع الأجرام العلوية بنسبة بعضها إلى بعض وبالنسبة إلى الأجرام السفلية وعن مقادير تلك الأجرام وأبعادها (1). وعلم التأليف الباحث عن أحوال المؤلفة، وعلم الموسيقى الباحث عن تناسب الأصوات بعضها ببعض وكمية زمان سكناتها وحركاتها وكيفية إخراجها عن مواضعها، وكذا لا مدخل لفروعها فيه، مثل علم المناظر والمرايا وعلم الجبر والمقابلة وعلم جر الأثقال، وكذا لا مدخل فيه لاصول الطبيعي الباحثة عن الزمان والمكان والحركة والسكون والنهاية واللانهاية وعن الأجسام البسيطة والمركبة وكيفية حدوث الحوادث الهوائية والأرضية وعللها مثل الصاعقة والمطر والرعد والبرق والزلزلة وأمثالها، وكذا لا مدخل لفروعها فيه مثل الطب والفلاحة وغيرهما. والهوى مصدر هواه إذا أحبه واشتهاه ثم سمي به الهوى المشتهى محمودا كان أو مذموما ثم غلب على المذموم والمراد به ________________________________________ 1 - ليس المراد بالحكمة المذكورة في هذا الموضع من الحديث علم الحكمة الاصطلاحي لإنه (عليه السلام) جعلها في مقابل الهوى ولو كان المراد العلم الاصطلاحي لجعله في مقابل الجهل أو السفاهة والغباوة وأمثالها وهذا هو الصحيح في الاحتجاج لا ما ذكره الشارح (رحمه الله) من أن الشارع لا يرغب في العلوم الرياضية كالنجوم إذ فيه مؤاخذتان الأولى أن الشارع رغب في علم النجوم وأمثاله بقوله * (إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار - إلى قوله - لآيات لقوم يعقلون) * لأن فيها دلائل على التوحيد كما رغب في العلوم الطبيعة في آيات كثيرة وفي الطب والتشريح والجامع لذلك كله * (سنريهم آياتنا في الافاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) * والمؤاخذة الثانية أن كل شئ رغب فيه الشارع لا يجب حمل كل كلام عليه وظاهر كلام الشارح أن ما يتعلق من علم الحكمة الاصطلاحي بالالهيات وعلم النفس وتهذيبها وبالجملة ما رغب فيها وهي غير العلوم الرياضية والطبيعة داخل في المراد (ش). (*) ________________________________________