[ 278 ] (والعافية وضدها البلاء) يقال: عافاه الله معافاة وعافية إذا سلمه من الآفات وبلاه وأبلاه بلاءا إذا جربه واختبره وامتحنه ويمكن أن يراد بالسلامة والبلاء فيما مر السلامة من إيذاء المسلمين أو من الأمراض النفسانية كما أشرنا إليه أو من العيوب والآفات البدنية كما قيل فإن السلامة من هذه الامور من صفات العاقل إذ العاقل لا يؤذي مسلما ويتخلص من الأمراض النفسانية مهما أمكن من العيوب والآفات حيث يعرفها ويعرف طريق التخلص، والجاهل يختارها ويقع فيها من حيث لا يدري وأن يراد بالعافية والبلاء هنا العافية والسلامة من الأعمال الظاهرة الفاسدة أو من العقوبات الاخروية وأهوالها بالتحرز عن موجباتها أو مما يوجب سقوط المنزلة عند الله تعالى أو من المكاره الناشية من الإخوان، أو من زوال النعمة فإن السلامة من هذه الأمور من صفات العاقل لأنه يفر عما يوجب فساد العمل وثبوت العقوبة وسقوط المنزلة ويعفو عن بني نوعه ويسامحهم فيتخلص بهذه الحيلة عن مكارههم ويشكر النعم فيجلب النعمة ويأمن زوالها والابتلاء بهذه الامور من صفات الجاهل. وعلى ما ذكرنا يتحقق الفرق المعنوي بين الفقرتين وإن كان تكلفا، ونقل عن الشيخ بهاء الملة والدين أنهما بمعنى واحد وإن إحديهما كانت بدلا عن الاخرى جمع بينهما الناسخ غافلا عن البدلية، وقال سيد الحكماء: البلاء ضد العافية بمعنى البلوى والبلية، والبلاء ضد السلامة بمعنى الامتحان والاختبار ومن توهم أنهما بمعنى واحد يلزمه أن يكون جند الجهل ثلاثة وسبعين وهو على خلاف قول الإمام (عليه السلام) وعلى خلاف جند العقل وفيه أولا أن الامتحان والاختبار أيضا بلية وثانيا أن من توهم اتحاد البلاء في الموضعين توهم اتحاد العافية والسلامة أيضا فلا يلزمه أن يكون جند الجهل على خلاف جند العقل وأقل منه، ولا يلزمه أيضا أن يكون الجهل أقل من ثلاثة وسبعين لأن تفصيل الجنود زايد على ثلاثة وسبعين بثلاثة وغرض المتوهم أن يرجع بعضها إلى بعض حتى يعود الجميع إلى ثلاثة وسبعين كما أشرنا إليه في أول الحديث. (والقوام وضده المكاثرة) القوام بالفتح العدل قال الله تعالى: * (وكان بين ذلك قواما) * وقوام الأمر بالكسر ما يقوم به أمره ويتم به نظامه، يقال: لفلان قوام من العيش أي ما يقوم بحاجته الضرورية، والمكاثرة من الكثرة وهي نقيض القلة وكثيرا ما تستعمل للمغالبة، يقال: كاثرناهم فكثرناهم أي غلبناهم بالكثرة في المال أو العدة. يعني من صفات العاقل التوسط في تحصيل المعاش والاقتصار بقدر الكفاف وهو القدر الذي يحتاج إليه في بقاء شخصه ويتقوى به في عبادة ربه غير متجاوز عن ذلك الحد لعلمه بحقارة الدنيا ومفارقته لها إلى دار القرار ووقوفه للحساب بين يدي الملك الجبار فيبعثه ذلك إلى إعداد زاد الآخرة والانقطاع عن حبل العلائق وصرف العمر في طلب الحقائق والاجتناب عن زوائد الدنيا والاختيار في طريق المعاش أحسن الطرائق وهو طريق ________________________________________