[ 277 ] يعلمون * (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون) * فقد ظهر مما ذكرنا أن الراحة من صفات العقل والتعب من صفات الجهل. وأما إعانة كل لصاحبه فظاهرة لأنه نجى المخفون وهلك المثقلون. (والسهولة وضدها الصعوبة) السهولة اللينة واليسر والذل بالكسر يعني سرعة الانقياد يعني سهولة الطبع في قبول الحق ويسره في قبول الصفات المرضية والأخلاق الحسنة والأطوار الصحيحة وذله وانقياده في الدين من صفات العاقل وعلامات الإيمان كما ورد من طرق العامة والخاصة " المؤمنون هينون لينون " (1) وصعوبة الطبع يعني أضداد هذه الامور من صفات الجاهل الحاير الذي ينبو ذهنه من الحق الزاهر، ويمرق طبعه من عرض الصدق إلى الجانب الآخر، ولا يطيع لقائده إلى منازل العرفان والكمال بل يغلبه مثل الجموح عن دين الحق مسرعا في سبل الضلال وكذا شأنه دائما في سرعة المسير إلى أن يقع في أسفل السافلين وبئس المصير. (والبركة وضدها المحق) البركة النماء والزيادة ويحتمل أن يراد بها الدوام والثبات من برك البعير إذا استناخ ولزم وثبت في موضع واحد، والمحق النقصان وذهاب البركة، وقيل: هو أن يذهب الشئ كله حتى لا يرى منه أثر، ومنه * (يمحق الله الربا) * أي يستأصله ويذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه ولعل المقصود أن الزيادة في فعل الخيرات والمبالغة في المبرات والثبات والدوام عليها من صفات العقل وكمال العقلاء كما روي " من استوى يوماه فهو مغبون " (2) وروي أيضا " ما من شئ أحب إلى الله عزوجل من عمل يداوم عليه وإن قل " (3) والنقصان في العمل أو عدم الدوام والثبات عليه من صفات الجاهل لجهله بمنافع العمل وغفلته عن جزيل الثواب ونسيانه حظه ونصيبه في يوم الحساب، وقيل: المراد أن العاقل يحصل المال من الوجه الذي يصلح له ويصرف فيما ينبغي الصرف فيه فينمو ويزيد ويبقى ويدوم له، والجاهل يحصل من غير وجهه ويصرف في غير المصرف فيبطل ماله ويذهب بركته، وقيل: المراد أن البركة من صفات العقل لارتفاعه عن العالم التغير والآفة والدثور والنقص من صفات الجهل لتعلقه بعالم الفساد والزوال والشرور. ________________________________________ 1 - أخرجه البيهقي في شعب الايمان من حديث ابن عمر كما في الجامع الصغير. ورواه الكليني في الكافي كتاب الايمان والكفر (باب المؤمن وعلاماته وصفاته) تحت رقم 14. 2 - رواه الصدوق (رحمه الله) في معاني الاخبار ص 342 باب معنى المغبون باسناده عن الصادق (عليه السلام) " من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان. ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة ". 3 - الكافي كتاب الايمان والكفر باب استواء العمل والمداومة عليه تحت رقم 3. ( ________________________________________