[ 276 ] عمله أو المقصود أن من جنوده التوسط بين الطرفين في الأقوال والأفعال والعقائد كالتوسط في المشي بين الدبيب والاسراع قال الله تعالى * (واقصد في مشيك) * وروي أن سرعة المشي يذهب ببهاء المؤمن (1) والتوسط في الانفاق بين التبذير والتقتير قال الله تعالى: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) * والتوسط في العبادة بحيث لا يلحق البدن مشقة شديده يتنفر الطبع عنها ولا يتركها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يا علي إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض نفسك عبادة ربك فان المنبت (يعني المفرط) لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع، فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرما، واحذر حذر من يخاف أن يموت غدا " (2) [ والتوسط في جميع الأخلاق بين الافراط والتفريط ] والتوسط في معرفته تعالى بين التعطيل والتشبيه والتوسط في الكسب بين الكسالة والجد المانع من الراحة البدنية أو الحقوق الدينية، وبالجملة التوسط في جميع الامور إلا الذنوب مطلوب ممدوح والعدوان بمعنى التجاوز عن الأوساط إلى طرف التفريط والافراط كما هو شأن الجاهل [ الهارب ] عن الصراط المستقيم مذموم. (والراحة وضدها التعب) يعني أن الراحة الروحانية والجسمانية واختيار ما يوجبها من فضائل العقل وجنوده لعلمه بحقارة الدنيا وزهراتها وانصرام زخارفها ولذاتها وانقضاء مصائبها وآفاتها فيرفض الشواغل الدنياوية وينفض الوساوس النفسانية ويترك اللذات الجسمانية فلا يغتم بفوات الأموال والأسباب ولا يهتم بتحصيل المقتنيات والاكتساب، ولا يغتم بغبرة التزلزل والاضطراب، ولا يحسد ولا يبغض ولا يغضب ولا يجادل ولا يماري فهو دائما فارغ البال مرفه الحال، لا نفسه منه في تعب ولا روحه منه في نصب، وأما الجاهل فهو دائما في تعب ومشقة وأبدا في محنة وبلية لاهتمامه بتحصيل المقتنيات وحفظه للرسوم والعادات، واغتمامه بفوات المشتهيات من المطعومات والملبوسات، وارتكابه لامور شديدة صعبة من المعاملات واحتماله من الاشغال الدنياوية والأثقال الزايلة الفانية ما يتعب نفسه من تحملها أو يعجز، والتجائه في ذلك إلى التحاسد والتباغض مع بني نوعه من أبناء الزمان إلى غير ذلك من الامور المورثة للحزن والغم والهم والتعب كما هو المعروف من جملة أفراد الإنسان ومنشؤ ذلك استعظام الدنيا واستحقار الآخرة وهم لا ________________________________________ 1 - رواه الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني في تحف العقول ص 36 عن النبي (صلى الله عليه وآله) مرسلا، وأخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي هريرة والخطيب في الجامع والديلمي في الفردوس من حديث ابن عمر، وابن النجار عن ابن عباس بسند ضعيف كما في الجامع الصغير. 2 - الكافي كتاب الايمان والكفر باب الاقتصاد في العبادة تحت رقم 6. ورواه احمد في مسنده من حديث انس، والبزار من حديث جابر. (*) ________________________________________