[ 275 ] وحمل هذا على الايجاب الجزئي لا وجه له على أن اصطلاح الحكماء ليس حجة علينا ولذلك لما سمع بشر بن كعب عن عمران ما نقله عارضه بقول الحكماء فقال عمران احدثك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتحدثني عن صحيفة الحكماء فانكار عمران دل على أن لا وجه لمعارضة السنة بقول الحكماء ويؤيده أيضا قول المحقق الطوسي (رحمه الله) حيث عد الحياء من أنواع العفة الحاصلة من الاعتدال في القوة الشهوية وعرفه بأنه انحصار النفس عن ارتكاب القبايح احترازا عن استحقاق المذمة فإنه صريح في أن انحصار النفس عن ارتكاب المحاسن لغرض ما ليس بحياء، فإن قلت: قد ينسب الحياء إلى الله تعالى فيقال: إنه حيي فما معناه ؟ قلت: معناه إنه سبحانه يعامل معاملة من له حياء يعني لا يصدر عنه القبايح وذلك لأنه إذا نسب إليه تعالى مبادي الآثار ولا يصح عقلا أو شرعا إرادة تلك المبادى يراد منها تلك الآثار مجازا والجلع الذي هو ضده إما بالجيم وهو قلة الحياء قال في الصحاح: جلعت المرأة بالكسر فهي جلعة وجالعة أيضا قليلة الحياء تتكلم بالفحش وكذلك الرجل جلع وجالع، ومجالعة القوم مجاوبتهم بالفحش وتنازعهم عند الشرب والقمار، وإما بالخاء المعجمة وهو النزع يقال: خلع ثوبه عن بدنه إذا نزعه وجه كونه ضد الحياء ظاهر لأن الحياء بمنزلة اللباس يستر جميع الأعضاء ويمنع ظهور معايبها وصدور قبايحها وضده هو خلع ذلك اللباس وكشف تلك المعايب والقبايح وإنما كان الحياء من جنود العقل وضده من جنود الجهل لأن الإنسان متوسط بين العالمين عالم الهداية وعالم الغواية وعالم القدس وعالم الطبيعة. والعقل يدعوه إلى الأول والجهل يدعوه إلى الثاني فإذا لبس الحياء الزاجر له عن ارتكاب القبايح يجذبه العقل إلى غاية مناه بسهولة لأن الجذب بلا مانع أشد وأسهل من الجذب معه، وإذا خلع منه ذلك اللباس وظهر منه أنواع القبايح وأصناف المعايب يجذبه الجهل إلى نهاية مناه بسهولة لما عرفت، فمن له حياء كامل قريب من الحق بالغ إلى أقصى مدارج الهداية ومن له خلع كامل بعيد عن الحق بالغ إلى أعلى معارج الغواية والمتوسط بين الامرين متوسط بين العالمين متردد يقرب من كل منهما تارة ويبعد اخرى حتى يؤل أمره إلى ما شاء الله. والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل. (والقصد وضده العدوان) القصد بالشئ إرادة الاتيان به، والقصد أيضا العدل وهو التوسط في الامور بين الافراط والتفريط ولعل المقصود أن من جنود العقل إرادة الخيرات كما روي " نية المؤمن خير من عمله " (1) وإن قصد برا ولم يقدر عليه كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو ________________________________________ = 4 - أخرجه مسلم ج 1 ص 48 وأبو داود في السنن ج 2 ص 552. 1 - أخرجه الطبراني في الكبير من حديث سهل بن سهل. (*) ________________________________________