[ 274 ] ومنه الحديث " نظفوا أفواهكم فإنها طرق القرآن " (1) اي صونوا عن اللغو والفحش والغيبة والنميمة والكذب وأمثالها وعن أكل الحرام والقاذورات والحث على تطهيرها من النجاسات والسواك، والحاصل أن طهارة الباطن والظاهر ونزاهتهما عن جميع ما لا ينبغي اتصاف الناس به ظاهرا أو باطنا من أنصار العقل في الترقي إلى عالم القدس كما يرشد إليه قوله تعالى: * (وثيابك فطهر والرجز فاهجر) * وقذارتهما من أعوان الجهل في التباعد عن ذلك العالم لأن عالم القدس طاهر لا يسكن فيه إلا الطاهرون، وينبغي (أن يعلم) أن طهارة الباطن يستلزم طهارة الظاهر وكذا نجاسة الباطن يستلزم نجاسة الظاهر لأن ما في الباطن يترشح إلى الظاهر فلا جرم الحالة الباطنة مبدء للحالة الظاهرة ومن ثم يستدلون بالظواهر على البواطن. (والحياء وضده الخلع) قيل: الحياء انكسار يصيب الحياة، وقيل: هو تغير يلحق من فعل أو ترك ما يذم به، وقيل: هو خلق يمنع من القبيح ومن التقصير في الحقوق وهو غريزة في الاكثر وقد يتخلق به بالاكتساب لأن من لم يجبل عليه ربما يلتزم الحقوق ويتمسك بالشرايع ويمارسها في كر الدهور ومر الازمان فيحصل له ملكة الانزجار عن القبايح ومبدء الانقباض عن المحارم وهي الحياء وله مراتب متفاوتة وأفراد متفاضلة أكملها وأفضلها ما ينزجر به الجوارح الظاهرة والباطنة كلها عن ارتكاب ما لا ينبغي ودون ذلك درجات، فإن قلت قد يكون في الإنسان ما يمنعه من حقوق الله تعالى فهل هو حياء حقيقة أم لا ؟ قلت: لا وإنما هو خور ومهانة وحمق - وإطلاق الحياء عليه أحيانا وتقسيمه إليهما في قوله (صلى الله عليه وآله): " الحياء حياءان حياء عقل وحياء حمق فحياء العقل هو العلم وحياء الحمق هو الجهل " (2) وفيما نقل عن الحكماء أن الحياء منه سكينة ووقار ومنه ضعف وفيما نقل عنهم في باب الأخلاق أن كل فضيلة نفسانية وسط بين طرفيها المذمومين طرف الإفراط وطرف التفريط فالحياء الممدوح وسط بين طرف إفراطه وهو الخور أعني الاستحياء من كل شئ وهذا مذموم لأن يؤدي إلى ترك الواجبات كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيره وطرف تفريطه وهو الخلاعة أعني عدم الاستحياء من بعض الوجوه وهذا أيضا مذموم لأنه يؤدي إلى ارتكاب بعض المحظورات - لا يدل على أن إطلاق الحياء على ما يمنع من حقوقه تعالى على سبيل الحقيقة لأن الاستعمال أعم من الحقيقة والمقسم لا يجب أن يكون محمولا على معناه الحقيقي ويؤيد ما قلنا ما رواه مسلم عن عمران بن حصين أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " الحياء لا يأتي إلا بخير " (3) و " الحياء كله خير " (4) ________________________________________ 1 - أخرجه الديلمي في الفردوس كما في كنوز الحقائق للمناوي. 2 - رواه الكليني في كتاب الايمان والكفر باب الحياء 8. 3 - أخرجه في صحيحه ج 1 ص 47 والبخاري ج 8 ص 35 من حديث عمران بن حصين. = (*) ________________________________________