[ 261 ] (والمداراة وضدها المكاشفة) المداراة في حسن الخلق التي من فروع الاعتدال في القوة الغضبية تهمز ولا تهمز يقال دارأته ودرايته إذا اتقيته وداجيته ولاينته، والمقصود أن مداراة الخلق وترك مجادلتهم ومناقشتهم صديقا كان أو عدوا، عاقلا كان أو جاهلا، من صفات العاقل كما يظهر ذلك بالاعتبار في حال الأنبياء والأوصياء والأولياء ثم الأمثل فالأمثل على تفاوت مقاماتهم وتفاضل درجاتهم، هذا إذا اقتصروا في حقوقه وأما إذا اقتصروا في حقوق الله تعالى فوجب تقويمهم واسترجاعهم بالحكمة والموعظة الحسنة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن افتقر إلى الغلظة جاز عن قدر الضرورة من المواعظ الحسنة في استجلاب طبايع الجهال إلى الحق وتأنيسهم به أن لا يحمله عليهم دفعة فإن ذلك مما يوجب نفارهم عنه وفساد نظام أحوالهم بل ينبغي أن يحمله ويأنسهم به على التدريج قليلا قليلا وربما لم يمكنه تأنيسهم به إما لغموضه بالنسبة إلى أفهامهم، أو لقوة اعتقادهم في ضده فينبغي أن يخدعهم عن ذلك ويميلهم إليه بحسب ما يقتضيه الحكمة وربما يحتاج إلى إظهار الحق بصورة الباطل كاستدلال إبراهيم (عليه السلام) بافول الكوكب بعد قوله: * (هذا ربي) * على نقصها المنافي لالهيتها. والمكاشفة من رذائل الأخلاق للجاهل ومن فروع الإفراط في القوة المذكورة وهي الخشونة والمناقشة وإظهار العداوة وإعلانها المؤدي المخاصمة والمجادلة والمقابلة إلى غير ذلك من المفاسد والشدائد الموجبة لفساد أحوالهم وبطلان نظامهم. (وسلامه الغيب وضدها المماكرة) الغيب ما غاب عن العيون وإن كان محصلا في نفسه وكان المراد به هنا القلب أو رجل غايب، والمنكر الاحتيال والخديعة والمقصود أن سلامة القلب وخلوصه من الغش والاحتيال والخدعة في المعاملة مع الإخوان والمعاشرة مع الخلان وغيرهم أو سلامة كل غايب من صفات العاقل لصفاء طينته وخلوص عقيدته وعلمه بأن المؤمنين كنفس واحدة فلا يرضى لهم إلا ما يرضى لنفسه وبأن المكر بهم مكر بنفسه حقيقة كما قال سبحانه * (ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله) * بخلاف الجاهل المنغمس ذهنه الكثيف في ظلمة الجهالة فإنه لكدرة طينته وفساد عقيدته يتخذ المكر منهجا لمطالبه ومسلكا لمأربه وهو غافل عن سوء مآله عاجلا وآجلا وعن اختلال حاله ظاهرا وباطنا. (والكتمان وضده الافشاء) من شأن العاقل كتمان سره بوضعه في صندوق جنانه وعدم فتحه مفتاح لسانه وتحريم إبرازه على أوثق إخوانه فإنك إذا لم تكتم سرك فكيف تتوقع ذلك من غيرك ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " المرء احفظ لسره " (1) وقال أيضا " من كتم سره كان الخيرة ________________________________________ 1 - النهج أبواب الكتب والرسائل تحت رقم 31. (*) ________________________________________