[ 259 ] (والشهامة وضدها البلادة) عد المحقق الطوسي الشهامة من انواع الشجاعة الحاصلة من الاعتدال في القوة الغضبية وفسرها بأنها حرص النفس على اقتناء الامور العظام توقعا للذكر الجميل وهذه ليست بمرادة هنا لأن البلادة ليست بضدها وليس لضدها أيضا اسم مشهور، بل المراد بها ذكاء الفؤاد يقال: شهم - بالضم - شهامة فهو شهم أي جلد ذكي الفؤاد فهي من توابع الاعتدال في القوة العاقلة. والبلادة وهي ضد الذكاء يقال: بلد بالضم فهو بليد وتبلد أي تردد متحيرا، من فروع التفريط والنقصان في القوة المذكورة، ونعني بهذه البلادة ما كان من سوء الاختيار لا ما كان من أصل الخلقة لأن المقصود هو الترغيب في تحصيل الأول وترك الثاني وذلك لا يتصور إلا فيما كان فعله وتركه مقدورا، ثم كون الأول من جنود العقل والثاني من جنود الجهل ظاهر لأن الذكاء سبب لعروج العقل إلى أقصى المدارج من معارج المعارف الربانية وضده سبب لنزول النفس في أسفل الدركات من مهالك الشبهات الظلمانية. (والفهم وضده الغباوة) قال بعض المحققين: لعل هذه الفقرة كانت في الأصل بدلا عن قوله (عليه السلام) فيما مضى " والفهم وضده الحمق " والناسخون جمعوا بينهما في الكتابة غافلين عن البدلية والمعنى واحد. ويمكن أن يقال: المراد بالفهم هنا الفطنة وهي جودة تهيأ الذهن لاكتساب العلوم وبعبارة اخرى هي إدراك المقصود من الخطاب بسهولة. والغباوة " كودن شدن ودر نيافتن " كما في كنز اللغة يعني عدم فهم المقصود من الخطاب بسهولة وهذا المعنى غير المعنى المقصود من الفهم والحمق كما أشرنا إليه سابقا، وأما حمل الفهم هنا على الذكاء الذي هو فوق الفهم المذكور سابقا كما أشرنا إليه هناك وإن كان ممكنا ويحصل به المغايرة بين الفهمين لكن معنى هذه الفقرة حينئذ يرجع إلى الفقرة السابقة عليها أعني قوله: " والشهامة وضدها البلادة " إذ مالهما واحد. (والمعرفة وضدها الإنكار) المعرفة سراج القلب يرى بها خيره وشره ومنافعه ومضاره، وكل قلب لا معرفة له فهو مظلم، والمراد بها إما معرفة الائمة وفضلهم وعلومنزلتهم وهي أكمل فضائل العاقل لأنه يعرف بنور معرفته أنهم دعائم الإسلام وولايج الاعتصام والهداة إلى نور الدين وأن طلب العلم والفضيلة والوصول إلى أنوار الحكمة وأسرار الشريعة لا يتيسر إلا بوساطتهم ولا يتحصل إلا بعنايتهم، وأنهم الذين عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية (1) ولا ________________________________________ 1 - فإن قيل أليس الدين لجميع الناس والشريعة لعامتهم ؟ وهل ورد الكتاب والسنة إلا لفهم جميع الامة وهل يتعبدون إلا بظواهر الالفاظ على ما يفهمون فإن كان هذا حقا فمن سمع وروى لابد أن يعرف معنى الكلام وظاهره إذ ليس الغرض من الرواية أن يحفظ اللفظ العربي من لا يعرف العربية كفارسي يحفظ كلمة تركية لا يعرف معناها بل معنى الرواية أن يحفظ لفظا يعرف معناه وهو حجة عليه فما معنى قولهم " عقل = (*) ________________________________________