[ 254 ] واعلم أن الفرق بين الحب والمودة وبين البغض والعداوة دقيق جدا حتى أنه قد ظن رجوع هذه الفقرة إلى قوله (عليه السلام) " والمودة وضده العداوة " وإن إحديهما كانت بدلا عن الاخرى جمع بينهما في الكتابة قلم الناسخ ولكن ظاهر قوله تعالى * (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء) * يفيد المغايرة، ويمكن القول بتحقق المغايرة بأن المودة ميل ظاهر القلب والمحبة ميل ظاهره وباطنه وبه يشعر قوله تعالى * (وقد شغفها حبا) * فالمحبة أعظم من المودة أو بأن المودة والعداوة من الامور القلبية والكيفيات النفسانية مع قطع النظر عن ظهور آثارهما من الجوارح والمحبة والبغض من هذه الامور والكيفيات مع اعتبار ظهور آثارهما منها ويؤيده قول القاضي في تفسير الآية المذكورة فلا تتوافق قلوبهم ولا تتطابق أقوالهم فليتأمل. (والصدق وضده الكذب) صدق الخبر بمطابقة حكمه للواقع وكذبه بعدم مطابقته له لا بمطابقته لاعتقاد المخبر وعدمها، كما ذهب إليه النظام ولا بمطابقته لهما وعدمها كما ذهب إليه الجاحظ لأن العقلاء يصفون كل خبر علموا أنه ليس مطابقا للواقع بأنه كاذب، وإن لم يعلموا اعتقاد المخبر، والمسلمين يصفون اليهود والنصارى بالكذب على الله وإن كان أكثرهم لا يعلم أنه كاذب بل يعتقد أنه صادق وأورد عليه أولا بأن قول القائل محمد (صلى الله عليه وآله) ومسيلمة صادقان خبر وليس مطابقا للواقع ولا غير مطابق له واجيب بأنه كاذب باعتبار إضافة الصدق إليهما لأنه غير مطابق، وقد يجاب بأنه كاذب لأنه يفيد صدق أحدهما في حال صدق الآخر، ورد بان التثنية لا تفيد المصاحبة وثانيا بأن قول القائل كل كلامي في هذا اليوم كاذب ولم يوجد منه سوى هذا الكلام ليس مطابقا للواقع وإلا لكان غير مطابق فيجتمع النقيضان وليس غير مطابق وإلا لكان بعض أفراده مطابقا وليس إلا هذا الفرد فيجتمع النقيضان، واجيب بأن الصدق والكذب إنما يعرضان لخبر مغاير للمخبر عنه حتى يتصور فيه المطابقة فيحكم بصدقه وعدمها فيحكم بكذبه وهنا قد اتحدا فلا يدخله الصدق والكذب وللبحث فيه مجال واسع واستدل النظام بقوله تعالى * (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) * فانه تعالى شأنه أخبر بأنهم كاذبون في قولهم * (إنك لرسول الله) * مع أنه مطابق للواقع فلو كان الصدق عبارة عن المطابقة للواقع لما صح فالتكذيب ليس باعتبار أنه غير مطابق للواقع بل باعتبار أنه غير مطابق لاعتقادهم، واجيب بأن المعنى والله يشهد إنهم لكاذبون في قولهم * (إنك لرسول الله) * من عند أنفسهم لأن هذا الخبر كاذب غير مطابق للواقع عندهم أو أنهم لكاذبون في لازم فائدة هذا الخبر وهو كونهم عالمين بمضمونه أو أنهم لكاذبون في * (نشهد) * باعتبار تضمنه خبرا كاذبا، وهو أن شهادتنا هذه من صميم القلب وخلوص الاعتقاد بحيث واطأت فيه قلوبنا ألسنتنا كما يشعر به (أن) ________________________________________