[ 253 ] (والحب وضده البغض) الحب بالضم والكسر والمحبة ميل القلب إلى ما يلائمه، والبغض المقت وقد بغض الرجل بغاضة أي صار بغيضا، وبغضه الله إلى الناس تبغيضا فأبغضوه أي مقتوه، ولعل المراد أن حب الخلق بعضهم بعضا من جنود العقل وبغضهم من جنود الجهل، لأن العاقل يعلم أن نظام الدنيا والدين لا يتم إلا بالمحبة فلذلك يختارها تحرزا عما يلزم البغض من التقاطع المستلزم لتطاول الحاسدين وتسلط المعاندين، ومن التنازع المستتبع لعدم الثبات والقرار والمؤدي بالأخرة الهلاك والبوار، وإن أردت أن تعرف أنك تحب أحدا فاجعل نفسك ميزانا فيما بينه وبينك فإن كنت تحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك فأنت تحبه وهو حبيبك وإلا فلا، بخلاف الجاهل فإنه لظلمة بصيرته غافل عن حسن عاقبة المحبة وسوء عاقبة البغض فيظن أن البغض خير له في تحصيل مقاصده فيختاره ويسوق سفينة البغاضة في بحر الغواية بريح الغباوة إلى أن يدركه الغرق من حيث لا يعلم، وينبغي أن يكون أعظم محبتنا لعباد الله تعالى محبتنا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وعترته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين لشرافة ذاتهم وجريان نعمائهم ظاهرا وباطنا علينا ووصول إحسانهم جليا وخفيا إلينا وبالجملة محبة الشئ إما لحسنه في الظاهر كالصور الجميلة أو في الباطن كحسن بواطن الصالحين وشرافة نفوسهم، أو لإحسانه بجلب نفع ودفع ضر كإحسان الناس بعضهم بعضا، أو لإعظامه كإعظام الولد والده، أو لترحمه وشفقته بحسب الجبلة والمشاكلة كترحم الوالد على ولده. وقد اجتمع الجميع فيهم (عليهم السلام) لما فيهم من جمال الظاهر والباطن وإحسانهم إلينا بالهداية والشفاعة وعظمة شأنهم وإنافة قدرهم على كل والد وولد ومحسن فلذلك وجب علينا محبتهم على أكمل الوجوه وأتمها ومن محبتهم الذب عن سنتهم ونصر شريعتهم والتمسك بطريقتهم وبذل النفس والمال دون مهجتهم والوقوف عند حدودهم وإعانة أهل ملتهم، أو المراد أن حب العباد لله من جنود العقل وبغضه من جنود الجهل لأن محبة العبد له تعالى شأنه إنما هي على قدر معرفته بجلاله سبحانه وكمال أوصافه وتنزيهه عن النقص، والعاقل هو الذي يعرف جماله وجلاله وكماله وقدرته وعظمته وإحسانه فعند شروق أنوار هذه المعارف على مرآة سره وبروق آثار الأعمال الصالحة في مشارق قلبه يمطر الله عليه أسباب الحب ويكشف عنه الحجاب وتجذبه العناية الأزلية إلى بساط القرب وتسقيه من ماء المحبة وتنجيه من هذا السراب، وأما الجاهل فانه لا يعرف من هذه المعارف اسما ولا من هذه الأسماء رسما ولا من هذه الأعمال حدا فكيف له الوصول إلى مرتبة المحبة التي هي المرتبة العليا للسالكين، والدرجة العظمى للعاقلين، والمنزلة الكبرى للزاهدين، بل هو بطبعه هارب عن عالم النور مستقبل إلى دار الغرور وهذا معنى بغض العبد له تعالى أعاذنا الله من ذلك، ________________________________________