[ 248 ] كان مذموما وينشؤ ذلك من خمود الشهوة الذي هو طرف التفريط من القوة المذكورة. (والمواساة وضده المنع) في المغرب آسيته بمالي أي جعلته اسوة اقتدي به ويقتدى هو بي وواسيته لغة ضعيفة، وفي النهاية الاسوة بكسر الهمزة وضمها القدرة والمواساة المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق وأصلها الهمزة فقبلت واوا تخفيفا، واعلم أن المواساة يعني معاونة ذوي الأرحام والأقربين وسائر الناس من الفقراء والمساكين في المعيشة وإشراكهم في القوت والمال من شعب السخاء المعدود من أنواع العفة ومن كمال الصالحين وخصال العاقلين، إذ العاقل الكامل يعلم بنور عقله أن سد خلة الفقراء ومواساة الضعفاء وإعطائهم ما ينتظم به أحوالهم من فضل المال يوجب ذكرا جميلا في الدنيا كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) " ولسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس خير له من المال يورثه غيره " (1) وثوابا جزيلا في الآخرة كما وعد الله سبحانه أهل الإنفاق بقوله: * (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * وبقوله: * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم) * ويعلم أن الفضل الزايد في ماله على القدر الذي يدفع ضرورته ليست زيادته معتبرة في صلاح حاله ولانقضائه معتبر في فسادها فلا يزيده إذن إن أبقاه ولا ينقصه إن أنفقه وأعطاه، فيسهل عليه إنفاقه على ذوي الحاجات توقعا لما يترتب عليه من رفع الدرجات، وأما المنع يعني عدم إعطاء الفقراء ترك مشاركتهم ومساهمتهم في فضل المال فهو من شعب البخل ومن صفات الجاهلين وعلامات الغافلين، إذ الجاهل الغافل مع جهله بما يترتب على الانفاق من الثناء الجميل عاجلا والثواب الجزيل آجلا يظن أنه إن أنفقه يصير فقيرا فيمسكه لنفسه وذلك لسوء ظنه بمالك الأرزاق وعدم إيمانه برب الأرباب وضعف إذعانه بيوم الحساب فيستحق بذلك الشقاء العظيم والعذاب الأليم كما قال العزيز العليم: * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) *. (والمودة وضدها العداوة) والمودة المحبة تقول: وددت الرجل أوده ودا إذا أحببته والود بالحركات الثلاث المودة ولما كان الإنسان محتاجا في تعيشه إلى التمدن وهو اجتماعه مع بني نوعه للتعاون والتشارك في تحصيل الملايم والحاجات إذ لا يمكن للانسان الواحد القيام بجميع ما يحتاج إليه من المصالح والضروريات التي لا بقاء له بدونها وذلك التعاون والتشارك لا يتم إلا بايتلاف ومعاملة واختلاط ومصاحبة ولا ينتظم ذلك إلا بتحقق الروابط بينهم احتاجوا إلى تلك الروابط وأعظمها المودة التي هي من فروع الاعتدال في القوة الغضبية وهي من جملة نعوت الكاملين ________________________________________ 1 - تقدم سابقا عن النهج أبواب الخطب تحت رقم 23. (*) ________________________________________