[ 249 ] وصفات العاقلين إذ العاقل الكامل يعلم أن مودته للناس مستلزمة لمودتهم ومودة أتباعهم وخدمهم وحواشيهم له ويجلب لنفسه من مودة واحد مودة أشخاص كثيرين له وذلك مستلزم لنفعهم له وعدم مضرتهم إياه وميل قلوبهم إليه وأنسهم به ومعاونتهم له ومدافعتهم عنه وبذلك يتم نظامهم وصلاح حالهم في الدنيا والآخرة ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " التودد نصف العقل " (1) وأما ضدها أعني العداوة التي من فروع الإفراط في القوة المذكورة فهو من جملة نعوت الناقصين وصفات الجاهلين إذ الجاهل لغفلته عن سوء العاقبة ووخامتها يظن أن عداوة الناس خير له ويغفل عن حصولها فيهم بالنسبة إليه أيضا، وعن بعدهم منه ونفارهم عنه المستلزمين لفساد نظامه وعدم حصول مرامه وتضييق ماله وتغير حاله في الدنيا والآخرة. (والوفاء وضده الغدر) وفى بعهده وأوفى به وفاء وهو وفي إذا قام به واتمه وهو فضيلة مندرجة تحت العدالة كما أن الغدر الذي هو ضده يعني نقض العهد رذيلة مندرجة تحت الفجور وبه يشعر قول أمير المؤمنين (عليه السلام): " كل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة " (2) هذا أشرف الضروب من الشكل الأول ينتج كل غدرة كفرة، والوجه في لزوم الكفر للغادر إن استحل الغدر ظاهر وإلا فالمراد بالكفر كفر نعم الله تعالى وسترها بإظهار المعصية والمخالفة كما هو المفهوم اللغوي من لفظ الكفر ثم للوفاء مراتب: الأولى الوفاء بكلمتي الشهادة وثمرته حفظ النفس والمال، والثانية الوفاء بالعبادات المفروضة والمندوبة وثمرته الثواب الجزيل والأجر الجميل في الآخرة، والثالثة الوفاء بترك الكباير والاجتناب عن الصغاير وثمرته النجاة من الجحيم والتخلص من العذاب الأليم، والرابعة الوفاء بالفضايل النفسانية والاجتناب عن رذايلها وثمرته الترقي إلى عالم الروحانيين والتشبه بالملائكة المقربين (3)، والخامسة الوفاء بعهود الناس ومواثيقهم الموافقة للقوانين الشرعية وثمرته استبقاء نظامهم واستكمال مقاصدهم ومرامهم والسادسة وهي أعلى المراتب وأسناها التعري عن الأغطية البشرية بالتجريد والاستضاءة بالأنوار الربوبية والاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل عن نفسه فضلا عن غيره (4) وثمرته الفوز بالكرامة في دار المقامة والاستبشار باللقاء الدائم كما قال سبحانه ________________________________________ 1 - النهج أبواب الحكم رقم 142. 2 - النهج أبواب الخطب تحت رقم 198. 3 - هذا أعلى من الثواب الجميل حيث جلعه في المرتبة. (ش) 4 - هذا يسمى بالفناء في اصطلاح العرفاء ويصرح بذلك عن قريب ومر نقل حديث وكلام عن المجلسي (رحمه الله) في الفناء ثم نقول الفناء ثابت قهرا لكل وجود ممكن سواء اعترف به الإنسان ووجده في نفسه أم لا، لان الممكن لا استقلال له في الوجود وليس بشئ ينظر إليه بل هو معنى حرفي كما قال الشاعر " ألا كل شئ ما خلاء الله باطل " واستحسنه النبي (صلى الله عليه وآله) وإنما ينكره الإنسان الطبيعي لأنه يتوهم نفسه وأمثاله شيئا فإذا عرف الوجود حق المعرفة ووجد نفسه وكل شئ فانيا في الحق كما هو الواقع وغلب سره على وهمه وعقله = (*) ________________________________________