[ 247 ] الاعتدال في القوة الشهوية بأنها رضاء النفس في المآكل والمشارب والملابس وغيرها بما يسد الخلل من أي جنس اتفق وقد وقع الحث عليها في القرآن والسنة ويكفي في ذلك قوله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله) * (ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم) * وقوله تعالى: * (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا) * وقول الباقر والصادق (عليهما السلام): " من قنع بما رزقه الله فهو أغنى الناس " (1) وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) " القناعة مال لا ينفد ولا يفنى " (2) ومن طرق العامة " القناعة كنز لا ينفد " (3) يعني بذلك أن الإنفاق منها لا ينقطع كلما تعزز عليه شئ من أمور الدنيا قنع بما دونه ورضي وقوله (عليه السلام): " كفى بالقناعة ملكا " (4) يعني أن القناعة منجية عن مهلكة الالتماس كالملك وإن دخلك من ذلك شئ فانظر إلى عيش الأنبياء والأوصياء والأولياء والصلحاء من قبلك وقد بلغك حال نبيك الأطهر أنه إنما كان قوته الشعير ولم يشبع منه وحلواه التمر وثوبه الخشن ووقوده السعف إذا وجده، وأما ضدها وهو الحرص في طلب زهرات الدنيا والانهماك في لذاتها وجمع مشتهياتها زايدا على القدر الضروري الذي يجوزه العقل والنقل فهو من شعب الانحراف في القوة الشهوية وطرف الافراط فيها وصاحبه مع عدم خلوه من المشقات لا يأمن من الوقوع في الشبهات وارتكابه للمحرمات ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " والرغبة مفتاح النصب ومطية التعب " (5) وقال: " الحرص داع إلى التقحم في الذنوب " (6) وقال " ابن آدم: إن كنت تريد من الدنيا من يكفيك فان أيسر ما فيها يكفيك وإن كنت تريد ما لا يكفيك فإن كل ما فيها لا يكفيك " (7) ووجه ذلك ظاهر لأن الحريص في جمع الدنيا وزخارفها يقدم رضاه على الرضا بما قدر الله له ويتبع حرصه وأمله ومراتب الحرص غير محصورة ودرجات الأمل غير معدودة فلو فرض أنه جمع له تسعة أعشار الدنيا طلب العشر الباقي، ثم بعده يطلب الدنيا مرتين وعلى هذا حتى يموت هذا حكم طلب القدر الزايد، وأما طلب القدر الضروري له ولعياله فليس من الحرص في شئ بل هو من العبادة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله " (8) فلو ترك ذلك ________________________________________ 1 - الكافي كتاب الايمان والكفر باب القناعة تحت رقم 9. 2 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 57 و 475. 3 - أخرجه الطبراني في الاوسط من حديث جابر كما في مجمع الزوائد ج 10 ص 256. والقضاعي في مسند الشهاب من حديث أنس بسند ضعيف كما في الجامع الصغير. 4 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 229. 5 - المصدر أبواب الحكم تحت رقم 371. 6 - المصدر الباب تحت رقم 371 وفيه " الحرص والكبر والحسد دواع إلى التقحم في الذنوب ". 7 - الكافي كتاب الايمان والكفر باب القناعة تحت رقم 6. 8 - الكافي ج 5 ص 88 كتاب المعيشة باب من كد على عياله. (*) ________________________________________