[ 243 ] وقول الرسول، الثاني ما ينشؤ من هذا العلم وهو الرضا بقولهما، الثالث ما ينشؤ من الرضا وهو قبول قولهما. (والصبر وضده الجزع) الإنسان ما دام في هذه النشأة كان موردا للمصايب والآفات ومحلا للنوائب والعاهات ومكلفا بفعل الطاعات وترك المنهيات والمشتهيات وكل ذلك ثقيل على النفس بشع في مذاقها وهي تتنفر منه نفارا وتتباعد منه فرارا فلابد من أن يكون فيه قوة ثابتة وملكة راسخة بها يقدر على حبس النفس على هذه الامور الشاقة والوقوف معها بحسن الأدب وعدم الاعتراض على المقدر بإظهار الشكوى وتلك القوة أو ما يترتب عليها أعني حبس النفس على تلك الامور ومقاومتها لهواها هي المسماة بالصبر وهو نوع من أنواع العفة وباب من أبواب الجنة ومقام عال من مقامات السالك إلى الله تعالى، وبناؤه على أربع قواعد الشوق والاشفاق والزهد والترقب للموت فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات وطيب نفسه عن ترك جميع المشتهيات، ومن أشفق من النار اجتنب المحرمات، ومن زهد في الدنيا استخف بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات، والآيات والروايات الواردة في مدحه كثيرة جدا ويكفى في معرفة علو قدره قوله تعالى * (والله مع الصابرين) * وقوله تعالى: * (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) * والجزع وهو حمل النفس على الشكاية وفعل ما يدل على عدم رضاها بصنع الله تعالى وهو نقيض الصبر، وجند الجهل ومنشؤه عمى البصيرة وتكدر السريرة فيتوهم عند نزول البلاء أن الجزع والاضطراب ينفعه فيتمسك به ويتمسك العقل حينئذ بالصبر ويقع بينهما قتال وجدال ومعركة هذا القتال قلب العبد وساحته الجوارح، والله يؤيد بنصره من يشاء وهو على كل شئ قدير. (والصفح وضده الانتقام) صفح فلان عن فلان إذا أعرض عن ذنبه وعفى عن عقوبته وحقيقته ولاه صفحة وجهه وهو من فروع الحلم وشعب الاعتدال في القوة الغضبية وهو من صفات الأنبياء والأوصياء ومناقب الحكماء والعقلاء ومفاخر العلماء والكرماء إذ الحكيم يتغافل ويتدبر والعاقل يتسامح ويتفكر: والكريم يغفر إذا قدر وقد وقع الترغيب فيه في مواضع عديدة من القرآن والسنة قال الله تعالى: * (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) * وقال النبي (صلى الله عليه وآله) (من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا) (1) وفوائده غير محصورة منها أنه يوجب زيادة الأنصار والأعوان، ومنها أنه يوجب الذكر الجميل بين الإخوان والصيت الحسن في غابر الزمان كما قيل: ________________________________________ 1 - أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب من حديث ابن عمر عنه (صلى الله عليه وآله) وفي الكافي كظم الغيظ من حديث أبي عبد الله الصادق (عليه السلام). (*) ________________________________________