[ 244 ] فعفوك في الأيام كالمسك فايح * وصفحك في الإسلام كالنجم زاهر والانتقام - وهو المعاقبة بالذنوب والمآثم والمؤآخذة بالزلل والجرائم - من فروع التهور وشعب الانحراف في القوة المذكورة ومن خصايل الجهلاء ورذائل السفهاء ومنشؤه عدم سكون النفس وثباتها، فإن تلك القوة تحركها حينئذ بسهولة إلى الشغب وإرادة الانتقام ويحدث بحر كتهما حرارة في القلب فيثور دمه ويغلي وينتشر إلى الجوارح فتتحرك هذه الجوارح بعضها إلى الشتم وبعضها إلى الضرب وبعضها إلى غير ذلك من أنحاء المؤاخذة، ومضاره غير معدودة لأنه ينجر إلى استمرار العدوان وغلظتها واستيناف الخصومة وشدتها، وقد يؤدي إلى الظلم والعدوان ويبعث على الفجور والطغيان لتجاوزه عن القدر الجايز ولذلك كان الصفح أحسن من الانتقام هذا إذا علم أن الصفح لا يضره ولا يؤدي إلى جرأة الخصم وإلا فالانتقام بالقدر الجائز أحسن وعلى هذا يحمل قول أمير المؤمنين (عليه السلام) " الشر يدفعه الشر " (1)، وقوله: " ردوا الحجر من حيث جاء " (2). (والغنى وضده الفقر) في القاموس الغنى كإلى ضد الفقر وإذا فتح مد والاسم الغنية بالضم والكسر والغنوة والغنيان مضمومتين، والغناء ككساء من الصوت ما طرب به وكسماء رمل، وهذه الفقرة يحتمل وجوها الأول الغنى والفقر الاخرويان وهو الذي أشار إليه (صلى الله عليه وآله) بقوله: " أتدرون ما المفلس ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ؟ فقال: إن المفلس من امتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار " (3) وهذا حقيقة الفقر، والافلاس وأما من ليس له مال ومن قل ماله فالناس يسمونه فقيرا ومفلسا وليس هو حقيقة الفقير والمفلس لأن هذا أمر يزول وينقطع بموته وربما ينقطع بغنى ويسار يحصل له بعذ ذلك في حياته، بخلاف ذلك الفقير المفلس فانه يهلك بالهلاك الأبدي وأشار إليه سيد الوصيين بقوله: " الغنى والفقر بعد العرض على الله سبحانه " (4) الثاني غنى القلب بالأخلاق وفقره بعدمها وهذا قريب من قوله (عليه السلام): ليس البلية في أيامنا عجبا * إن السلامة فيها أعجب العجب ليس الجمال بأثواب تزينها * إن الجمال جمال العلم والأدب ليس اليتيم الذي قد مات والده * إن اليتيم يتيم العقل والحسب ________________________________________ 1 - و (3) تقدما سابقا. 3 - روى نحوه مسلم واحمد في مسنده ج 2 ص 303 وغيره من حديث أبي هريرة راجع الترغيب والترهيب للمنذري ج 4 ص 405. 4 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 452. (*) ________________________________________