[ 241 ] عشيرة " (1) يعني أن الرجل كما يتمتع بالعشيرة يتمتع بالحلم ويتوقر لأجله، ومن ثم قيل الحلم اكتساب المدح من الملوك والثناء من المملوك. والسفه الذي ضده وطرف الافراط من القوة المذكورة عبارة عن خفة النفس وحركتها إلى ما لا يليق من الامور التي يقتضيها طغيان تلك القوة مثل الضرب والقتل والشتم والبطش والترفع والتسلط والغلبة والظلم ومفاسده كثيرة وقد يطلق السفه على الجهل وسخافة رأي ونقصان عقل منه قوله تعالى حكاية عن الكفار * (أنؤمن كما آمن السفهاء) * وهذا المعنى ليس بمراد هنا لأنه ضد العلم والحكمة التابعين لحركة القوة الناطقة بالاعتدال في العلوم والمعارف. (والصمت وضده الهذر) صمت صمتا وصموتا وصماتا أطال السكوت، ومنه الصامت خلاف الناطق. وهذر في نطقه يهذر هذرا والاسم الهذر بالتحريك وهو الهذيان، والهذر من خواص الجاهلين وأفعال الناقصين كما أن الصمت عما يضر وما لا يهم من خصال المرسلين وآداب العاقلين وأخلاق الكاملين ومنافعه كثيرة جدا فإنه يورث القلب فكرا في المعارف العقلية والنقلية ويزينه بالحكمة النظرية والعملية لأن الصمت دليل التفكر وقائد الحكمة ويورث السلامة عن الآفات والمعاصي لأن آفات الكلام ومعاصي اللسان كثيرة، فعن معاذ بن جبل قال: قلت: يا رسول الله أنؤاخذ بما نقول ؟ فقال: ثكلتك أمك وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصايد ألسنتهم " (2) ويورث الهيبة لصاحبه فإن من رآه يخيل إليه أن لها شأنا فيهيب منه ويوقره بخلاف النطق بما لا يعني فإنه يهين مكارم العاقل ويبدي مساوي الجاهل ويصغرها في أعين الناس كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " بكثرة الصمت تكون الهيبة " (3) وقال " المرء مخبوء تحت لسانه " (4) يعني أن الرجل إذا تكلم يظهر كونه فصيحا أو معجما، عالما أو جاهلا، خيرا أو شرا، وإن لم ينطق كان جيمع ذلك مستورا عليه عند العامة ثم الظاهر أن السكوت عما يشعر بفساد الرأي وقبح العقائد من شعب الاعتدال في القوة الفكرية وعما يشعر بالهتك والترفع والغلبة والذم في أعراض الناس من شعب الاعتدال في القوة الغضبية وعما يشعر بالميل إلى المستلذات والمشتهيات من شعب الاعتدال في القوة الشهوية والهذر المقابل له من شعب الانحراف في هذه القوى. ________________________________________ 1 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 418. 2 - أخرجه ابن ماجة تحت رقم 3973 في حديث طويل من حديث معاذ وقوله (صلى الله عليه وآله) " يكب " من كبه، إذا صرعه. " حصائد السنتهم " أي محصوداتهم، على تشبيه ما يتكلم به الانسان بالزرع المحصود بالمنجل فكما أن المنجل يقطعه من غير تمييز بين رطب ويابس وجيد وردي كذلك المكثار في الكلام بكل فن من الكلام من غير تمييز بين ما يحسن وما يقبح. 3 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 224. 4 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 147. (*) ________________________________________